أمريكا قوة عظمى بسياسة «ميكافيلية»..

ت + ت - الحجم الطبيعي

متى نجح مبعوثو أمريكا في المنطقة في حل أزمات عربية طرفها أجنبي أو عربي؟ وهل يمكن التعويل عليها في المفاوضات العربية الإسرائيلية أو الصحراء المتنازع عليها بين المغرب والجزائر أو أي جهد اقتصادي وسياسي آخر؟ وهي التي ظلت تستهين بالعرب وتراهم كماً بشرياً قابلية النجاح معهم مستحيلة إلا بالإذلال بقوة السلاح كما حدث في العراق باحتلاله؟

بناءً على هذه السوابق نسأل: لماذا فشل «السيناتوران» جون ماكين وليندسي غراهام في مسعاهما في مصر للمصالحة بين الحكومة والإخوان المسلمين، وعن ماذا تحدثا بناء على تصوراتهما وتقويم الأطراف المصرية لها وفق معطيات الواقع واللغة التي تكلم بها كل واحد منهما؟

علاقة أمريكا بدول المنطقة سياسة «ميكافيلية» فهي تنظر لدولها بروح دونية مما أثار عليها الرأي العام العربي منذ أزمنة (إيزنهاور ودالاس) إلى موقع أوباما كرئيس حالي يدير سياسة دولته بنفس الروح والتعالي، ولذلك فمصر مبارك غير مصر اليوم، فهي لا تتلقى الأوامر والتهديدات مرة بمنع صفقة سلاح متفق عليها سابقاً، أو الايحاء بعدم إعطائها تسهيلات من صندوق النقد الدولي، ولعل تصريحات المبعوثين هي نفس الجمل الآمرة لدرجة التهديد بأن عدم تنفيذ أفكارهما سيحل الكارثة على كل مصر، وهي قراءة تنقصها الحكمة أولاً وفهم طبيعة الشعب المصري وتركيبته التي كنا نتمنى أن يعرف ساسة أمريكا أنها الأعرق في التاريخ والحضارة، وليست هذه الأزمة العنصر الذي سيدمرها.

الحوار والمصالحة ليسا خارج التصور المصري، فقد دعت الحكومة الموقتة والجيش إلى بناء الثقة وخلق أجواء تدفع بالأزمة إلى الخلف، ولكنها لا تستطيع الاقدام على خطوات يرفضها الشارع الذي تحرك يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣م ضمن مطالب محددة، وإلا واجه انتفاضة أخرى، وهذا أحد الشروط الصعبة، والتي تدخل مصر بالفعل إلى مأزق حرج، ثم إن الاجتهادات التي جاء بها المبعوثان وغيرهما، تفاوتت بالطرح والأهداف، وقد سمع المسؤولون جميع الأفكار، وعرفوا الرد دون مواربة وبالتالي فالأزمة ليست على خلاف مبادئ أو أرض، وإنما على مفهوم الشرعية وتفسيرها، وطالما يتمسك كل طرف بقناعاته، فما زالت الحلول موجودة والرهان على الزمن قد يفيد من يملك مساحة الحوار المعزز بالقوة الوطنية بكل أجهزتها.

هل مسارعة أمريكا لفهم طبيعة الخلاف جاءت متأخرة، وأن الضغوط التي تريد ممارستها ليست الاطار العملي المقبول، وأن حاجة أمريكا لمصر، تتساوى مع حاجة الطرف الآخر لكن دون أن تختل المعادلة بمن يريد أن يفرض حلوله ومن يواجهها بمبدأ استقلالية القرار، ومشكلة أمريكا أن سياساتها ومواقفها تبنى على مصلحة إسرائيل أولاً مع أن ما يجري في مصر لا يهددها، ولم يعلن نقضاً للاتفاقات معها سواء السلام أو استمرار العلاقة بين البلدين، والأهم من ذلك أن أمريكا قوة كونية كبرى، لكن بإدارة سياسية لا تطرح احتمالات النجاح والفشل، والدليل أخطاؤها في فيتنام ثم أفغانستان والعراق عندما تبني تحركها على تقارير السفراء وبعض الخبراء الذين يبنون أفكارهم على تحريات بدون وصول دقيق للطرف المقابل كيف يفكر، وكيف يبني ويضع قائمة مصالحه وهي سبب الفشل.

هل كان المصريون على خطأ حين استقبلوا وفود أمريكا وفتحوا لهم الأبواب والمنافذ ومن باب النوايا الحسنة كدولة وسيطة وبلا شروط مسبقة؟

الحقيقة أن ما جرى يعد نجاحاً للدبلوماسية المصرية، فقد سمعت ورفضت من أراد التعدي على سيادتها وكرامتها، وهو المنطق الذي من أجله فشلت الحلول لأن الوسيط لم يكن بمستوى الحدث وتحقيق رغبة شعب يعي دوره وما يريده.

 

Email