دمشق «برلين» العرب!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاعتقاد الخاطئ بأن مجريات الصدامات في سورية بين دكتاتورية نظام الأسد والمعارضة ثم ترحيلها إلى البند الثاني أو الثالث مع أحداث مصر غير حقيقي، فمصر تبقى دولاب الحركة والتأثير الكبير على منطقتنا كلها، غير أن سورية تصل أهميتها إلى نفس المستوى..

فهي القطب المؤثر على مجريات انخفاض وارتفاع التوتر في العراق ولبنان بشكل مباشر، ولا تغيب إسرائيل عن مؤثرات هذا الواقع، والذين يرسمون تكييف الصراع لصالحهم كالإيرانيين والروس، بدأوا يدركون أن عطسة دمشق أصابت بغداد بالزكام وأن بذور حرب أهلية متصاعدة في العراق تعتبر قيد الاحتمالات، ومبرراتها خلقت من الداخل العراقي باحتكار المالكي السلطة مع فصيله المؤيد، وتهميش الباقين، وهو ما فعله الأسد واستمر بجعله هدفه، لكنه واجه غضباً شعبياً انفجر بضغط الظروف لكنه دفع بتناقضات العراق إلى الواجهة والمواجهة، وانفتاح هذه الفرجة الكبيرة لا شك لا يغيب عن تصور وخطط حلفاء سورية، وتحديداً إيران التي ترى أنها موقع الأزمة في أي تطورات سلبية قادمة بالبلدين معاً..

القوى الكبرى وجدت في سورية الهدف المثالي لإدارة الحرب بالنيابة فلا أمريكا وضعتها في سقف اهتماماتها لأن أوباما أظهر تردداً ليس في هذا الشأن وإنما إدارة معارك أضعفت جانب السياسة الخارجية للدولة العظمى، وكان التجديد لانتخابه فترة أخرى دلل أن التردد في اتخاد المواقف المهمة ليس طابع هذه السياسة لأن شبحي العراق وأفغانستان أصبحا يؤرقان راسمي السياسة العليا الأمريكية، وبالتالي فهذه الفترة ستكون غياباً تاماً عن أي تحرك ايجابي نحو سورية، لتبقى روسيا المحرك والمدبر..

الأوربيون أصبحوا تابعاً وليس متبوعاً، فهم تكملة للسياسة الأمريكية وجذرت هذه الأسباب الأزمة المالية المتصاعدة، وتقليص نفوذهم السياسي والاقتصادي أمام أقطاب آسيا القادمين بقوة تأثيرهم على هذا الكوكب كله..

(بوتن) الذي انتخب من جديد استغل الضعف الأمريكي - الأوروبي، بأن أبرز بلده كقوة عظمى داخل مجلس الأمن والأحداث الخارجية، وهو لا يمانع الذهاب إلى أقصى نقطة في الشأن السوري في جعلها الهم الأول ومركز القوة الاستراتيجي لدولته وقد جسد هذا الموقف صورة روسيا المغايرة والتي كانت ضعيفة حتى بوجود ترسانتها النووية، لكنها بعد تحسن اقتصادها تحولت إلى ند يتجاوز الدبلوماسية اللينة والخشنة إلى اقترانها بالقوتين الاقتصادية والعسكرية..

هناك من رسم سيناريو طويلا لحرب معقدة قد تتغير فيها موازين القوى لكن روسيا تبقى المعادل الثابت في الدعم العسكري الذي قد يرجح قوة الأسد، ولكنه لا يعطيه الانتصار، ولعل فائدة انقسام المعارضة والحروب بين فصائلها سجل مكسباً آخر له لكن ذلك لا يعني حسم الأمور بشكل مطلق، وحتى في حالة انتصار السلطة فإدارة الحكم لن تنجح بأي سلوك حتى بفرض التنازلات لأن الاحتقان والثارات وسجل الموتى حوافز لاستمرار عدم الاستقرار مهما كانت وسائل القوة العسكرية..

سورية هي من يرسم أمن المنطقة في السنوات القادمة، والصراع عليها يشبه صراع الغرب والشرق على برلين، فهي مفتاح أزمات الداخل العربي وتجديد حرب باردة بين الأصدقاء الأعداء في الشرق والغرب.

 

Email