جيل لا تخضعه الأيدلوجيا!

ت + ت - الحجم الطبيعي

    مشكلتنا مع أحداثنا العربية، إنقلاب، أو حرب، أو خلافات بيننا، مؤامرة أمريكية بتدبير إسرائيلي، وهذه العقدة لا نشهدها بدول تعرضت لمؤامرات دولية دورية مثل فيتنام والصين ودول في أمريكا الجنوبية، ولا أدري لماذا قيدنا أنفسنا بأزمات غيرنا، وهذا لا يعني طهارة الغرب بشقيه الأطلسي والأمريكي بتحقيق مصالحهما سواء بتبني سياسات ضدنا أو غيرنا..

فهم أسقطوا الاتحاد السوفيتي وعجزوا عن قهر نمو الصين والهند، والبرازيل، بأن تكون دول منافسة، ولا يزالون يرسمون خطط المستقبل بسيناريوهات حديثة، لكن العمود الفقري لهما انكسر بسبب العوامل الاقتصادية الحديثة..

فأمريكا تجاوزت ديونها أرقاماً فلكية، ولم تعد تأمر وتطيعها بلدان مثل ألمانيا واليابان، وحتى فرنسا، لكنها تهدد حلفاءها، بالقفز على خشبة آسيا بتحالفات أهم مما نسميه بالعالم القديم، ومنطقتنا من فراغ (إيزنهاور) إلى اليوم، وهي تشهد عجزاً قاتلاً بأن تخلق لها مدونة تطور في النظامين السياسي والاقتصادي، رغم الفرص المتاحة التي حدثت، وحتى الربيع العربي الذي دخل الشكوك بمن حركه ومن يهدف إلى قطف ثماره ظل على نفس الريبة انه جزء من المؤامرة المعدة سلفاً، وحالة الاستلاب هذه نزعت الثقة عن أي عمل عربي يحصل على درجة النجاح النسبية..

الجيل العربي الجديد لا يحسب على أجيال الهزائم والآمال الكاذبة الذين وحدوا الأمة، وطردوا إسرائيل ونافسوا العالم عسكرياً واقتصادياً من خلال صوت المذياع والصور البيضاء والسوداء التلفزيونية، جيل متناغم مع عالمه الكبير الموزع على كل القارات، وهذا الجيل اختلفت مطالبه وأسلوب حياته وحالات استقطابه بين تفرعات قومية ودينية وليبرالية لكنه رفع سقف احتياجاته إلى غير المناهج المكررة سياسياً واجتماعياً، أي أن نزعته كونية سواء بحلم الدولة الإسلامية الواحدة، أو الكيانات الوطنية، لكن من غير تدجين، وهذا الحراك الشاب قاد اتجاهه بدون ايدلوجيات وتنظيمات كونية، أو على الأقل الأغلبية منه، ولذلك تنبه الغرب قبلنا إلى دراسة هذه التحولات في المنطقة ورسم خططه من خلالها، لكنه ليس الوحيد في ميدان التأثير والاستقطاب حيث آسيا أصبحت مركز الحركة في عالم اليوم والمستقبل البعيد، ولعل الربيع ودورته الفلكية قيل أن محركهما شباب تلك الدول، وبالفعل كان الأداة، لكن شيوخ ومتقاعدي النظم الوريثة هي من تلقى الهدية وأخذها، لكن رد فعل آخر قد يحدث وهذا ما تؤكده الاحتمالات وحتى من خلال التنظيمات التقليدية بدأ يولد من داخلها جيل آخر لا يتفق مع طروحات الآباء المؤسسين، وهي ليست أزمة فكر فقط، ولكنها أزمة أجيال بدأت تعد نفسها لرحلة الواجب ومشقاته، وهذا يذكرنا بثورة الطلاب في أوروبا التي جعلت أحد الفلاسفة «هربرت ماركوز» يضع فلسفة تلك الحركة ويكتب مؤلفه الشهير «الإنسان ذو البعد الواحد» طارحاً روح ذلك الجيل وكيف سيقطع المسافة بأسرع من أسلافه فكرياً وعملياً..

تكاثرت الطروحات عن الموجة الثالثة، وما بعد الحداثة، وصراع الحضارات وإن كانت نطفتها ومولودها غربي، فهي رؤية كونية لا تحددها جغرافيا أو جنس بدليل أن ثورة التكنولوجيا الحديثة التي كسرت الزمن بين الحدث وانتشاره، أصبح شباب العرب جزءاً من منظومة الحركة الكونية، وهنا ما لم ندرك أن دولاب الزمن أخذ مساراً متطوراً وجديداً، وأن عالماً يولد بلا شروط لفكره وسلوكه، ولعل التعارض بالأفكار سوف يقود إلى صراع أجيال، لكنه إذا ما خرج عن وعيه وسلميته سوف يكون نقطة تحول حادة قد لا تهضمه أمعاء جيل ما قبل هذه التحولات..
 

Email