متاجرون بالعروبة.. طائفيون حتى العظم

ت + ت - الحجم الطبيعي

    نؤمن إيماناً قاطعاً بوجوب التآخي والتقارب وفتح حقول الفهم والتعاون والعمل بين أبناء الطوائف الإسلامية، وأن يكون الحب بينهم متأصلاً، والثقة مجسدة بأقصى ما يمكن أن تكون عليه الضمائر من نقاء وطيبة، وتكون عليه الأفعال والممارسات من سموّ قيمي وأخلاقي ونُبل في التعامل، ويكون أحفاد أبي بكر وعمر وعلي وأبي ذر الغفاري ومعاوية أمناء على الرسالة التي يحملونها، وكُلّفوا بالمحافظة على مضامينها المبهرة في توجّهاتها نحو تكريس الحب والسلام والحوار وعمل العقل في المسائل التي قد يكون فيها اختلاف وليس خلافاً، فالثوابت الأساسية راسخة في الوعْي والسلوك والممارسة وقبل ذلك في الصدور، وما كان تفصيلاً فباب الاجتهاد والحوار والتفسير والالتقاء مفتوح، والنيات الحسنة نحسب أنها متوفرة في الوصول إلى القناعات عبر القواسم المشتركة.

نؤمن أن أبناء الأمة الإسلامية إن كانوا من أهل السنة والجماعة، أو من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة هما مكونان أساسيان وفاعلان ومؤثران في إنتاج حضارة الأمة، وصناعة واقعها السياسي والاقتصادي والمعرفي والثقافي، وأن أبناء الطائفتين لديهم من الرغبة والحماس والعزيمة ما هو حافز على العمل معاً لإنتاج ما يعزّز مكانة الأمة العربية في موقعها بين الأمم، وتكريس دورها في التأثير وصناعة القرار، إذ إن المكونين إخوة في الدم واللغة والهموم والهواجس والآمال والآلام والتطلّعات، ولا يمكن لمكوّن أن يحقّق انتصارات حياتية ونضالية دون الآخر، أو يوجد لنفسه تميّزاً ومكانة وانتصارات إذا كان شريكه في الأهداف مغيّباً ومقصياً ومهمّشاً أو مهزوماً.

هذه حقيقة؛ مَنْ ينكرها فهو ضد منطق العقل، وحقائق الواقع.

ماذا حدث.. ماذا جرى..؟

يبدو أن الاصطفافات والشحن والتباعد - كي لا نقول البغضاء - نشأت بفعل الخطاب المتطرّف والمتشنّج والدموي الذي يُمارس من أدعياء الدين من الطائفتين، وليس من أهل العلم العقلاء والحكماء الذين يحرصون على جمع الكلمة، ووحدة الصف، وإظهار نقاء الإسلام ودعوته للمحبة والتآخي، ثم بفعل الأحزاب المؤدلجة التي أخذت الدين وسيلة لإرضاء نزعاتها التسلّطية، وخدمة مشاريعها التواقة للسلطة، وتحقيق المكاسب والامتيازات عبر مصادرة حق الفرد من الطائفتين في تحديد مساراته، كما يفعل حزب الله في لبنان، إذ إن ما يقوم به ويمارسه مع الطائفة السنية هو استدعاء للفتنة بكل شراستها وجحيمها وويلاتها، وأن ما يحدث أحياناً من الطائفة السنية هو ردّة فعل لفعل موجع لها.

لنستعرض بعض ما قام به حزب الله من استدعاء للاحتقان:

لعل أبرز حدث بدأ في العام 2005 حيث تم اغتيال الزعيم السني الأبرز رفيق الحريري، واتهام النظام السوري بالاغتيال مع حلفائه في لبنان وحزب الله أكبر حليف له، ثم ما ثبت أخيراً من تورّط عناصر من حزب الله في عملية الاغتيال، يُضاف إلى هذه المأساة أحداث السابع من مايو/ أيار 2008، وهي أحداث جرت في العاصمة اللبنانية بيروت وبعض مناطق جبل لبنان، تعتبر ميدانياً الأكثر خطورة وعنفاً منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990 حيث اجتاح حزب الله بيروت واحتلها ورفع صور بشار الأسد وحسن نصر الله في الميادين والطرقات والأحياء السنية وتليفزيون المستقبل ومؤسسات الحريري. وفي 12/1/2011م تم إسقاط حكومة سعد الحريري بعد استقالة 11 وزيراً ينتمون إلى حزب الله وحلفائه.

كثيرة هي الأحداث التي مارسها حزب الله ضد الطائفة السنية بفعل قوّته العسكرية عدّة وعتاداً مما ولّد ردة فعل نأمل أن يحتويها العقلاء من الطائفتين، لعل أحداث صيدا تكون آخرها.

نسجّل أن اللغة الطائفية مرفوضة في قاموسنا ولغتنا وفهْمنا ووعْينا، ولكن الأحداث فرضت تناولها.
 

Email