سورية للشعب.. لا للطغاة

ت + ت - الحجم الطبيعي

    قدر الإنسان العربي أن يحمل المأساة والوجع، ويعيش التفتّت والانهيارات النفسية والانكسارات الحياتية، ويدخل في تيه الغربة والتشرّد والضياع، وربما الذل والهوان، وتسوّل عطف العالم وحسناته وصدقاته وما تجود به الجمعيات الإنسانية ووكالات الغوث من فتات خبز، وأغطية وكساء عبر أزمنته الشرسة والمثقلة بالآلام منذ العام 48، حيث بدأ تشرد الإنسان الفلسطيني إلى مخيمات بائسة في الأردن ولبنان وسورية، وعاش أيامه الحزينة بحلم عودة لا تأتي، وأمل استقرار في الأرض لا يلوح في الخيال، ولا تمنحه الوعود التي تصنّمت بفعلها زعامات بلهاء، وأنظمة عسكرية بليدة وغبية.

منذ العام 48 بداية النكبة - ليست نكبة الإنسان الفلسطيني بل العربي - والعالم العربي يحمل قلبه على كفه من مجهول حالك الظلمة، ومصير لا تمنح قراءته واستنتاج آفاقه قدراً من ضوء انعتاق إلى فضاءات متوازنة، فكان الفلسطيني هو الرمز الحي والمثال الواقعي على مأساة الإنسان العربي في كل الجغرافيا العربية، حيث لا أحد في مأمن، ولا أحد محصناً ضد الدخول في عوالم المأساة، وأن يعيش ووطنه امتداد الأرض في كل جهاتها غير أنه بلا وطن حقيقي يمنحه الانتماء والهوية والاستقرار والدفء والأمان إلا في ذاكرة ومخيال وحكايات تروى للصغار عن الوطن وحكايا الوطن وأماكن الصبا والحب في الوطن، لكن شراسة المأساة غيّرت الحال والأحوال، وبدّلت الأمكنة إلى رصيف ومقهى في أوروبا وأمريكا، وعيون شاردة نحو لا شيء، شاخصة إلى أفق بعيد.. بعيد، تحجبه غيوم داكنة تتكوّن في سماء المنطقة العربية.

كان التشرّد الأول في حياة الإنسان العربي المعاصرة للفلسطيني المعذّب في التيه السديمي بفعل الاغتصاب الصهيوني للأرض والتاريخ والذاكرة، والمؤامرة - هذه مؤامرة حقيقية - التي تمثلت في الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، ثم بدأت الدائرة تتّسع والتيه تتشعب دروبه وتتعدد وسائل ممارسته، لكنه في هذه المرات بأيدي وبرامج وسياسات أنظمة العسكر البائسة والباغية، وجبروت بطشها بالإنسان/ المواطن، ومصادرة حقه في إحلال التنمية وبرامج التحديث والتعليم والحرية وبيئة الإنتاج والمشاركة في القرار الاقتصادي والتنموي والحياتي، والعبور بالوطن إلى حقول المعرفة والوعي وبناء منجز حضاري.

ما هو الوطن العربي الذي يحكمه العسكر ولم ترحل عقوله لعدم وجود فرص لها في المشاركة والبحث وممارسة الإبداع والخلق والإنجاز العلمي..؟

وما هو الوطن العربي الذي تهيمن عليه الخوذات لا يعاني فيه مواطنه من الكبت والقهر والضياع وانعدام فرص العمل والخوف من الأقبية والسجون والمعتقلات..؟

الواقع مرعب، والشاهد ما فعله بشار الأسد بشعب سورية الذي بدأ التيه، لكن عودته قريبة بفضل نضالاته وإصراره على الحياة.
 

Email