لماذا لا تنجح المعارضات العربية؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

    لم تستقر الأنظمة العربية التي تحررت من الاستعمار باتجاه نظم ديمقراطية تعددية وفقاً لما كانت عليه أحزاب تلك المرحلة، بل إن حكومات جاءت بعد الاحتلال بديمقراطيات وليدة وقضاء مستقل، وتنمية تأسست على قواعد أكثر تقدماً مما جرى بعدها..

فقد نشأت، مع الانقلابات، معارضات، مقموعة من غيرها ونشطت في أعمالها السرية، وبتحالف مع العسكر يتم تغيير السلطة القائمة ويتم وضعها في السجون أو الإعدامات، وتَوالي هذه الأزمات خلقَ ما سمي بالنظام الوطني ليأخذ هذه التسمية من دول شمولية بحكوماتها وحزبها الواحد، وبالتالي لم تأت المعارضة من الشعب التي تدعمها النقابات والأحزاب بتمثيل حر، وهي الأزمة التي صعدت من الواقع العربي لتتحول معظم دوله إلى حكومات عسكرية دكتاتورية وضعت اسم الزعيم كمعادل للشعب بتاريخه وثرواته وعلمائه وكل مبدعيه..

الثورات الجديدة، قامت من خلال زخم شعبي، وهي نتيجة طبيعية لسوابق تلك النظم التي عاشت على قوة الجيش وأجهزة الأمن العلنية والسرية، ولم يكن الزلزال الذي بدأ من تونس ليصل سورية باتفاق أو رابط بين الأدوات التي حركت الشارع، وقادت إلى سقوط الأنظمة، ولم يكن وصول التيارات الإسلامية لتحكم، أمراً مستغرباً، لأن تنظيماتها كانت الوريث الطبيعي والمنظم، غير أن الوصول للكراسي العليا واشتراطات الدولة الحديثة التي يتطلع مواطنوها لتمثيلها أدوارهم في التغيير الجذري من أمن وتنمية، ورفع سقف التوظيف، والقضاء على الفقر والبطالة، وإيجاد تشريعات تساوي بين طبقات الشعب، اصطدمت بواقع لم تكن مهيأة له، وهنا برزت معارضات جديدة، ولكنها بقيادات وجوه كلاسيكية تحاول مثلما كانت مبادئ الثورات إسقاط تلك الدكتاتوريات، بإنهاء الحكومات الجديدة كهدف متفق عليه، لكن بدون طرح مشروع موازٍ لشعارات الحكومات الإسلامية بحيث يلقى القبول من المجاميع الرافضة لإدارة الدولة بعقلية لا تلبي احتياجات ومطالب الأكثرية الوطنية التي كانت السبب في نجاح تلك الثورات..

لماذا تفشل المعارضة العربية قديماً، وحديثاً، رغم وجود الأرضية التي تساعدها على المضي بدعواتها؟ ولماذا ما بعد الثورات عجزت عن أن توفر إطاراً للعمل يجمع الوحدات المتنافرة من أحزاب كبيرة، أو صغيرة، وتجمعات مدنية وقروية وطبقات برجوازية ومسحوقة، وهي التي تتفق، في أغلبيتها، على رفض حكومات تدار بالشعار الواحد، ولا تمنح الفرصة لإيجاد دولة القانون والتآلف الوطني الذي يشمل القاعدة الوطنية كلها؟

ويعود السبب إلى أن الأشخاص أو القيادات الأخرى التي تتزعم بعض التنظيمات المعارضة أقل كفاءة من حكومات بعد الثورة، رغم ضعف أدائها ومضاعفات قضاياها وحتى حركة الشارع التي تحشد الجماهير بالتظاهرات والاحتجاجات، عجزت عن أن تقود تلك المجاميع بما يلبي دعواتها، لأن استنساخ الشعارات القديمة، والطروحات غير الجادة، والاعتماد على التنافس الإعلامي، أسقطت المعارضة بأن تكون نصيراً مقبولاً للأكثرية الوطنية، وهو عجز أثبت أن إدارة واستقطاب المواطنين عملية مهنية لا يجيدها من يتعلقون بالشعارات فقط..
 

Email