ثورات بديلها الفوضى!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

    بناء دولة حديثة بمواصفات عالم اليوم، والذي اتخذ نهج السباق على الابتكار والتحديث، جعل الفاصل الزمني مع دول العالم الثالث يتسع كل يوم، ومع أن دولاً في جنوب شرق آسيا، وأوروبا الشرقية، وجنوب أمريكا، أخرجت نفسها من حالة الاستقطاب والتبعية بين قطبي الغرب والشرق، وبدأت بخطط وضع نفسها داخل عجلة التطور، فإن وطننا العربي لم يوجد النموذج الذي لحق بركب دول العالم الثاني، والسبب أن الحكومات التي هيمنت بروح ومنطق العسكر عجزت تجاوز ذاتها وهي الحالة التي تبدو أنها صارت المشكل والعقدة..

الثورات العربية كانت الحدث الأكبر خلال نصف قرن، وقد كان الزخم الذي صاحبها مدوياً، أفراح وتفاؤل، ذهب بالبعض أنها قفزة نوعية سوف تختصر الزمن بالصعود إلى القمة في التنمية والتطور والحريات، وانفتاح على الآفاق العالمية التي ستأتي باستثماراتها ومشاركاتها الفعلية في كل شيء، إلا أن الحقيقة خالفت هذه النظرة، فقد سقطت الحكومات السابقة، لكن البديل الفوضى فقد أظهرت أسوأ ما في الاحتقان الاجتماعي في غياب أجهزة أمنية اُعتبرت جزءًا من تلك الأنظمة، وفي هذا الفراغ الهائل نشطت الجريمة، وتنامت ردات الفعل ليس بين السياسيين الذين يتنافسون على كعكة الدولة، وإنما على كل شيء، يغذي ذلك إعلام متفلت، خوّنَ، واتهمَ، ولاحقَ البريء والمخطئ وجاءت الأمور لتعكس أن مجتمعاتنا العربية ليست مهيأة لسلام اجتماعي ينهي خلافاته بالحوار والتوافق، ما صعب القضية على السلطات الناشئة التي أرادت الاستئثار بكل شيء وضمن هدف وخطط الحكومات السابقة ما جعل الشارع هو من يحدد مسار النظام، وبفوضى غير مسبوقة، وجاءت السلبيات لتحقق مضاعفات للفقر، وصعود حاد للأسعار، وبطالة، وهروب للأموال وتوقف للمصانع والمداخيل الأخرى ما ينذر بثورات جياع تبحث عن تأمين ضروراتها الأساسية، ولا يلوح بالأفق حلول سريعة طالما السلطات تتمسك بشرعياتها، ولكنها لا تؤدي دورها الذي ترضى عنه تلك المجتمعات..

الأزمات الاقتصادية والأمنية والاستعجال على منجزات مستحيلة، جاءت لأن الثورات كانت عفوية لهدف آني، أي أنها لم تملك البرنامج والمشروع، أو الخطط التي سبقت تلك الثورات لايجاد البديل الموضوعي، والحصيلة فراغ كبير تسبب في انقسام المجتمعات على بعضها، حتى أن الأصوات بدأت تتعالى بمطالب دخول الجيش لضبط إيقاع الأمن وبعضها الآخر يترحم على السلطات المطاح بها..

الشعب العربي عاطفي جعل من البطل والزعيم المنقذ، ثم جاءت الثورات لتكون الفتح العظيم ولكنها أغلقت أبواب الأمل، فكان البديل اليأس المطلق..

 

Email