عصر فوضى الإعلام..

ت + ت - الحجم الطبيعي

  بدون قوانين وضوابط وشرف إعلامي يعتمد المعلومة الموثقة والتحليل الموضوعي على ضوء الوقائع الحقيقية، فالبديل الفوضى، وقد شهدنا كيف لعبت الصحافة العربية والإذاعات دور التحريض والانقسام والعمالة للخارج أو الداخل العربي في مراحل منتصف القرن الماضي. والدولاب الراهن يعود للدوران بعد احتلال العراق الذي أفرز عشرات الصحف ومحطات الفضاء، وكيف انقسمت هذه الوسائل على تشتيت ذهن المواطن وربطه إما بحيزه الجغرافي الضيق والذي أصبح جاهزاً للانفصال أو إعلان دولة المذهب، أو التقوي بإيران أو دول أخرى إقليمية أو دولية..
 
في دول الربيع العربي زالت السلطات القديمة وبقيت قوانينها، أي ان التشكيك والتخوين واتخاذ أسلوب الإشاعة والنزول للشارع باسم حرية الإعلام، اتخذت موقفاً آخر فالسلطات فضلت مبدأ التحريم ضد من ينتقد مشروعها أو زعامتها والشعب لا يدري هل يلتفت لهمومه في الأمن والغذاء والوظيفة والاستشفاء، أم يتيه بين أصحاب الرأي الذي ساهم في شتات ذهنه، غير أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار وهجرة الاستثمارات قد توحد الشارع ضد الجميع، لأن حاجته الأساسية فوق الاعتبارات الأخرى من خلافات حزبية، أو برلمانية، وقد تكون حالة الانفلات الأقسى والأخطر على هذه الدول التي تحتاج الاستقرار كأهمية أولية في استعادة دورها وهيبتها..
 
الإعلام لا يعني عدم المسؤولية الأخلاقية والحرية لا تعني تحريك الغرائز واللعب على أوتار الشحن العاطفي لشعوب هي في الأصل فجرت ثوراتها لذات الأسباب، لكن إذا كان البديل عدم الأمان فالأخطار ستعصف بالجميع، وهذا ما يحدث في مدن دول الربيع وقراها التي انتجت حالة جديدة كشفت أن الطريق الديموقراطي وعي وحقوق، وتضامن وقوانين تضمن المساواة بين الجميع، أما أن تسعى أطراف الخلاف على تهييج الشارع بإعلام منفلت ولأهداف شخصية لا وطنية، فإن مجريات الأحداث قد تجرف الجميع، لأن المساس بالأمن هو الخطر الأكبر وخاصة على شعوب تختلف فيها مستويات الوعي والثقافة وحرمت سنوات طويلة من حرياتها وعيشها الكريم..
 
لقد اختفى المثقف والسياسي ورجل القانون في زحمة الإعلام الذي هيمن على الحدث وأسقط مفهوم المواطنة الصادقة والسبب لا يعود لجماعة أو حزب أو سلطة تريد الهيمنة باسم اختيارها بالاقتراع الحر، وإنما كيف يصل الفرقاء إلى حلول موضوعية تجنب تلك البلدان الانزلاق إلى الفوضى بحيث تتأكد أهداف تلك الثورات بأنها جاءت لتغيير نمط الدولة والنظم والقوانين وفق مبدأ الحوار الذي يوصل إلى التفاهم بحيث يتم الانتقال من الأزمة إلى الحل بمنطق أن أي رأي أو مبدأ لا يصل للقداسة إذا كان هناك من يختلف معه ويعارضه، ولعلها أزمة العربي مع نفسه ونظمه وتاريخه الذي لم يتمتع بالحرية التي تعارفت عليها الشعوب وقادتها إلى التوافق وضمان حريات الأفراد والأديان والأقليات بعقد وطني شامل..
 
ما يجري بتلك الدول تحريض على الفوضى من خلال إعلام أساء للحرية بطعن الوطن وما لم توقف هذه الممارسات فالقادم أخطر وأسوأ..

 

Email