سورية.. حتمية التقسيم مستحيلة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

مجريات أحداث سورية رفعت سقف الجدل حولها من دول عربية تتأثر بمسارها، سواء انتصرت المعارضة، أو سارت الحكومة في حرب استنزاف قد تجرها إلى تدخل في شؤون دول تلاصقها بالحدود، طالما الغريق لا يخشى البلل، غير أن الموقف تعدى هذا الحيز إلى تداول الأوروبيين والأمريكيين عندما ذهبوا لضرورة دعم المعارضة، وتسليح الجيش الحر؛ حيث ظلت المخاوف من الإقدام على هذه الخطوة أن تذهب هذه الأسلحة إلى منظمات إسلامية متطرفة تخوض الحرب مع النظام، ولها تواجد مؤثر في العمليات الجارية، وتأييد من بعض المواطنين..

الجدل الآخر هو قراءة خارطة سورية السياسية والدينية والاجتماعية، والخشية من انفجار عام يؤدي إلى حرب أهلية تنتهي بتقسيمها إلى دويلات بهويات أخرى جديدة، وهي احتمالات تثير المخاوف ليس على الداخل السوري فحسب، وإنما على المحيط الجغرافي كله، لكن ولأن الحراك الاجتماعي في العقود الماضية، وما قبلها، حيث الهجرة من الريف إلى المدينة، وتداخل العائلات بالمصاهرة، والتعايش ضمن الوظيفة الاجتماعية الواحدة، لجميع الأعراق والقوميات وأصحاب الأديان، ربما تبعد هذه الهواجس بحكم الاختلاط في هذه المدن، كذلك الأمر بالنسبة للعشائر غير المتجانسة أصلاً، لكنها في سورية ليست رعوية تطارد العشب، وإنما هي زراعية اكتسبت روح الحضر أكثر من البداوة، ما جعل الأرومات تتمسك بأصولها ولكنها لا تسعى إلى حروب وحالات انفصال..

أيضاً سورية يعتبر شعبها أكثر وعياً وثقافة من غيره، حيث التعليم بدأ مبكراً، وانتشار القراءة بين صفوف الطلاب من الجنسين، والتواصل مع الثقافات الأخرى بوجود اللغة الفرنسية التي كانت سائدة، أو الإنجليزية والروسية..

وتكاثر المترجمين، ودور النشر أعطيا الشعب تميزاً خاصاً، لكن الدكتاتوريات العسكرية هي التي أعاقت كلّ النشاطات بما فيها الإنتاج الصناعي، والتجاري واللذان برعت فيهما سورية قبل أن تختنق بالمصادرة والتأميم، وتحصر الثروات كلها في يد الدولة والتي سخرتها في المحافظة على سطوتها على الشعب وثرواته، وتوزيعها على دوائر حمايتها وأزلامها..

كذلك ما جرى في الحرب الأهلية اللبنانية، والتي قدمت دروساً هائلة لسورية، وينطبق الحال مع الأوضاع العراقية التي وضعت الخارطة الاجتماعية في مهب عواصف الطائفية، والتي تنذر بحرب بينها، شبيهة بما جرى في لبنان، والتي أعيت كل الأطراف الخسائر البشرية والمادية، لتلتقي في النهاية، على اتفاق الطائف كمخرج من سنوات الحرب العبثية الطويلة، وعلى هذا الأساس ليس هناك مبرر لأنْ لا يحصل الجيش الحر على الدعم العسكري حتى تتساوى الكفة مع النظام، لتحسم الأمور بالقوة، وهذه المرة ستكون المصلحة، سواء لأوروبا التي تشترك مع سورية في محيط البحر الأبيض الذي تطل عليه هذه الدول، أو وجود وريث معتدل لا تهيمن عليه جبهة النصرة أو غيرها..

لقد حارب الجزائريون الاستعمار الفرنسي طيلة سبع سنوات ونصف، وبإمكانات متواضعة أدت إلى مقتل مليون ونصف المليون شهيد، والشعب السوري لا يحارب استعماراً، ولكنه يقف ضد نظام أبشع من الاستعمار نفسه بطائفته ومصادرته الحريات كلها، وصموده فقط جاء من دعم روسي وإيراني لكنهما لن يكونا الدرع الواقية لنظام يتهاوى..

Email