من لا يحفظ ماضيه لن يحفظه مستقبله.

من منطلق هذه القاعدة تولّدت الحاجة إلى تدوين الأحداث وحفظ التواريخ والأسماء، وهذه المواضيع التوثيقية جعلتني على مدى السنوات العشر الأخيرة أبدأ مهمة رافعا شعار كي لا يضيع تاريخنا الرياضي.

فأصداء الذاكرة هي مجموعة أسباب دعتني أن أسجل جزءاً من مرحلة مهمة تمثل مسيرة اعلامية رياضية تستحق الإشارة إليها، لما لها من ارتباط بواقعنا الرياضي والإعلامي والمهني والشخصي، كما نركز فيها على الدور المهم للآباء المؤسسين، ولأولئك الذين واجهوا المشقات والمصاعب في عبور البحار والمحيطات والسفرات.

وراء عرضي لهذه المواد الصحفية والمواضيع التي أراها تتعلق بالتوثيق الذي للأسف نفتقده كثيرا على الرغم من بعض المحاولات راجيا بان تنال رضاكم جميعا، فالمحطات رئيسية في مسيرة وحياة مجتمعنا.

 الذي اصبح اليوم من بين المجتمعات التي تؤمن بمدى أهمية التواصل لبناء مسيرة خيرة. فنحن أمام تجربة عمر، وامام مرحلة مهمة وهو السبب الذي دعاني لتبني مثل هذه المواضيع فتابعوني، وحياكم الله.

 

اليوم نبدأ اولى حلقات «أيام زمان» وهي سلسلة توثيقية عن مسيرة الرياضة الاماراتية أخذنا على عاتقنا ان نتبنى هذا المشروع الوطني، وفي البداية سنضع اهل الثقافة في دائرة الضوء ليكشفوا لنا ما لديهم من معلومات رياضية تاريخية عن كرة القدم الاماراتية، ومن بين هذه الشخصيات بلال البدور المدير التنفيذي لوزارة الثقافة، الذي قال: عندما نتحدث عن الثقافة عموما فمجتمع الامارات نشأ مع الثقافة منذ القدم حيث كانت المجالس اليومية في المنازل تعد هي النواة الاولى لهذه الملتقيات الثقافية وكانت عبر قراءة بعض السير والتراجم او عن طريق المكتبات المتاحة بحسب ما كان متوفر في تلك الفترة>

البداية... والفكرة

وانتقلت هذه التجربة الى منتديات حقيقية متخصصة بالثقافة فشهدت كثير من امارات الدولة مؤسسات ولو انها على شكل مؤسسات صغيرة اي مجموعة من الناس يجتمعون ويشكلون في ما بينهم ملتقى ثقافيا يتبادلون في ما بينهم القضايا الثقافي.

لكن اذا انتقلنا الى مرحلة الاربعينات نجد تجسيدا لمؤسسة رسمية ففي دبي على وجه الخصوص هنالك النادي الاهلي الادبي فكما تذكر الاوراق انه تأسس عام 1945م واستمر بهذا الاسم الى ما بعد 1958م ولدينا ايصال اشتراك لاحد الذين انتسبوا اليه وهو عمران العويس حيث كان يدرس في الهند وعاد سنة 1958م فقدم اشتراكا بهذا النادي وهذا الايصال يثبت وجود ناد باسم النادي الاهلي الادبي وعلى غرار ذلك هنالك العديد من المؤسسات الثقافية منها الجمعية الثقافية في الشارقة، المكتبة الثقافية والتجمع الثقافي الذي كان بدبي في منطقة ديرة ببيت الشيخ محمد بن عبدالسلام قاضي دبي آنذاك والذي بعد انتقال اسرته الى الكويت برفقة صهره عبدالرزاق الرزوقي بقي هذا البيت ملتقى لمجموعة من الشباب يمارسون فيه الثقافة، لكن علاقة الثقافة بالرياضة بدأت من النادي الاهلي الادبي.

حيث يقال ان هذا النادي الذي كان بجانب مدرسة الفلاح وعلى وجه التحديد في بناية المر فكانت على غرار نظام الوكالات حيث قام الوجيه المر بن حريز ببناء بناية على غرار ما يسمى المكاتب في الابراج والبنايات الحديثة فقام باستئجار هذه المكاتب مجموعة من التجار وجعلوها مستقرا لهم يمارسون فيه اعمالهم ومن هنا تم تأسيس النادي الاهلي الادبي وكان في هذا النادي محمد سعيد الملا، معالي جمعة الماجد، المرحوم أحمد بن سلطان بن سليم.

سيف بن حريز ومجموعة من الشباب سواء من اهل بر دبي او ديرة، هنا بدأت مرحلة التحول الى تأسيس فريق لكرة القدم فبدأوا ممارسة هذه اللعبة وكانت هي الرياضة الاولى غير الرياضات الشعبية التي كانت موجودة واذا اردنا ان نعرف كيف تمت ممارسة كرة القدم فنعود الى ما ذكره ابراهيم بوملحه على لسان المرحوم الشيخ محمد بن يوسف فإن الشيخ محمد نور عندما جاء بعد دراسته في مكة المكرمة وذلك عام 1927م أحضر معه كرة فكانت هذه الكرة هي نقطة الانطلاق وكان طلبة مدرسة الفلاح يمارسون لعبة كرة القدم ويذكر الشيخ محمد بن يوسف ان من الذين كانوا يمارسون لعبة كرة القدم، الشيخ محمد نور ومحمد المعصم والشيخ راشد بن مانع آل مكتوم ومحمد حاجولة ومما يذكر في تلك الفترة انه في احد التمرينات كان هنالك التحام بين احد اللاعبين ذوي البنية الجسمانية القوية ومحمد حاجولة فكسرت رجله وتم تجبيرها.

اللعب في الحوش

ويتذكر الشيخ محمد يوسف أنهم كانوا يلعبون الكرة في الحوش والشيخ محمد نور معهم وكان يتصبّب عرقاً لكثرة إجهاده وتعبه من الركض والحركة.

وكانت الكرة برجل جوبوكو وكان فتى قوياً مفتول العضلات فأراد محمد حايوله أن يأخذها منه لكن جوبوكو لعب بقوة فأصاب رجل حايوله الذي وقع على الأرض متألماً لشدة الضربة ولم يقم فلما جئناه وجدنا ساقه مكسورة والعظم خارجاً منها فأوقفنا اللعب وربطنا رجله وحملناه إلى خارج الملعب. وقد قام بتجبيرها له أحد المجبّرين الشعبيين يُدعى حمّال باشا وهو رئيس الحمّالين بفرضة برّ دبي، أي جمارك بر دبي إذ لم يكن وقتها مستشفى للعلاج.

ويضيف الوالد محمد بوملحه أن شخصاً آخر قد كُسرت رجله أيضاً أثناء اللعب بالمدرسة اسمه عبدالعزيز الملقب بعبدالعزيز الهندي، وبذلك يمكن اعتبار تاريخ تأسيس مدرسة الفلاح هو تاريخ دخول كرة القدم إلى البلاد.

وأن أولئك الطلبة الدارسين من الذين ذكرنا أسماء بعضهم أوائل اللاعبين أيضاً، وأن الشيخ محمد نور مؤسس أول فريق لكرة القدم في دبي، وذلك في ما يجلي جانباً من معلومات مهمة تفيد التاريخ الرياضي في البلاد.

- كذلك تشهد مرحلة الاربعينات عودة الطلبة الذين كانوا يدرسون في باكستان والهند مثل حسين خانصاحب وعبدالغفور قرقاش هؤلاء عندما كانوا في باكستان تعلموا لعبة الكريكيت، وان صح التعبير والمقارنة فإنها الاصل لكثير من الالعاب الشعبية التي انتشرت مما أحدث نوعاً من التمازج في الرياضة وبالانتقال من هذه المرحلة فقد قام بعض هؤلاء بإنشاء نادٍ آخر في بر دبي فإذا عدنا بالذاكرة الى مجلة الهدف فقد نشرت تحقيقا على لسان خانصاحب فقد كان هذا الفريق به مجموعة من اللاعبين مثل المر بن حريز، عتيق بن احمد المري وغيرهما هؤلاء طبعا عندما نتحدث عن دبي فإذا كان نادي النصر الذي تأسس او تم تحويل اسم النادي الاهلي الادبي الى هذا المسمى الجديد فيكون في الستينات.

وهنالك اندية قامت بعد ذلك بحركة تطوير ولكن كل هذه الاندية التي قامت حملت راية نادٍ ثقافي رياضي أي قدمت الثقافة على الرياضة، فانحسار المجالس الادبية ووجود الشباب في الاندية اعطى فرصة لممارسة الثقافة ومن خلال هذه الاندية تم تأسيس نشاط المسرح وايضا تم تأسيس الفرق الموسيقية كالفرقة الموسيقية المتخصصة في عيد الفرج في نادي النصر بعجمان او المجموعة الموسيقية بدبي في نادي النصر او نادي الشباب في ما بعد فانتقلت هذه الاندية من مجرد صالات لتداول القضايا الثقافية او مسرح صغير لتقديم العروض الفنية الى مرحلة انتقالية افضل وذلك بتأسيس مجلات ثقافية؟

مرحلة المجلات

صحيح ان الفترة الاولى كانت تعتمد على مجلات الحائط لكن مع اواخر مرحلة الستينات بدأت مرحلة المجلات فقامت بعض الاندية باصدار مجلات فمثلا مجلة النادي الاهلي ومجلة نادي الزمالك ومجلة نادي النصر هذه كلها قامت بتقديم الثقافة المؤسسية من خلال مجلة لها كتابها ومدير تحريرها وهيئة تحرير.

واستمر الوضع وعندما نضرب المثل بدبي فإن ما يصدق على دبي يصدق على باقي الامارات لذا عندما جاءت مرحلة الثمانينات وتأسس الدور الثقافي فكانت هذه الاندية الثقافية او الاندية الرياضية معظمها تشارك في المؤسسة الثقافية كذلك سنلاحظ ان معظم الذين يمارسون الكتابة الآن بدأوا من المجلات الثقافية التي كانت في الاندية واعتقد ان من الممكن ان تكون مجلة الاهلي كانت مساوية لمجلة المجمع الثقافي بدبي حيث كان مجمعا ثقافيا متخصصا وكان الآخر ناديا رياضيا الا ان المادة العلمية كانت متساوية فمن الممكن ان مجلة المجمع ركزت على الجانب الفكري اكثر الا ان الجانب الثقافي كان موجودا ايضا، وزيادة على ذلك فإن الفرق المسرحية التي كانت آنذاك اخرجت الكثير من العاملين في الحركة المسرحية وخير مثال على ذلك مسرح الاهلي.

وهذا باختصار دور المؤسسة الرياضية وعلاقتها بالثقافة، ولكن مع اقترابنا من نهاية الالفية الثانية نجد ان الاندية ينحسر دورها الثقافي وذلك لاهتماماتها العديدة ولعل اهمها بروز مؤسسات ثقافية متخصصة لهذا اصبح للمشغولين بالهم بالجانب الثقافي مناخ اكثر قابلية لممارسة انشطتهم الثقافية فالاندية الرياضية كثرت بها الالعاب الرياضية فأصبح هنالك غياب دور الجمعية العمومية في الاندية واصبح هنالك انفصال بين الجمهور الذي كان يجد نفسه مشاركا في صنع القرار .

حيث اصبح بعيداً في ظل وجود مجلس ادارة معين، فهؤلاء الذين كانوا يمارسون الثقافة من خلال المحاضرات وحضور العروض وافلام السينما لم يجدوا مكانا في الاندية وكذلك كثرة متطلبات الرياضة التي اصبحت بحاجة لأي مساحة في النادي بجانب المتطلبات المادية العالية للرياضة، فتغلب الجانب الرياضي على الثقافي مع مطالبة الجمهور بنتائج رياضية متميزة.

تجربة مهمة

كان الشيخ محمد نور يحب الرياضة ويزاولها بنفسه، وكان قد تعلّم لعب كرة القدم عندما كان طالباً بمكة المكرمة، ولما جاء إلى مدرسة الفلاح بدبي أسَّس فريقاً لكرة القدم وقتها من تلاميذ المدرسة، وكانوا يلعبون خلف مدرسة الفلاح في الحوش التابع لها.

ويروي الشيخ محمد بن يوسف الشيباني أن الكرة التي كانوا يلعبون بها قد أحضرها الشيخ محمد نور معه من مكة المكرمة، ومن ضمن اللاعبين بالإضافة إلى الشيخ محمد نور الذي هو على رأس قائمة الفريق، راشد بن مانع المكتوم ومحمد بن يوسف الشيباني ومحمد المعصم ومحمد علي حايوله، وشخص يُلقب جوبوكو خادم البدور وعبدالله بن عبدالكريم الملقب بالمرّ، وكان من أحسن اللاعبين وأمهرهم لأنه عاش فترة عند أبيه المقيم في بومباي وتعلّم الكرة هناك وأجادها.. وغيرهم كثير من طلبة المدرسة.

وكان يتجمع الطلبة الآخرون يتفرجون على اللعب والحماس على أشده بين اللاعبين، وكثيراً ما كانت تحدث بينهم إصابات بليغة لمدى الحماس وقوة التنافس بين اللاعبين.

غداً نكمل 

تجربة الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة ومسيرته الرياضية الحافلة بالذكريات على مدار يومين