وهم السوشال ميديا!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو أننا عددنا الآثار السلبية والآفات التي بذرتها السوشال ميديا في حقول الحياة البشرية في أيامنا المعاصرة، فماذا سنجد؟ الكثير مما لا يعد ولا يحصى بالتأكيد؛ الالتصاق بأجهزة الهاتف أحال الناس لحياة افتراضية أقرب للأوهام، وفي المقابل تقطعت صلات البشر بمن حولهم، وبمن هو أقرب إليهم، وأول من سقط في هذا الفخ هم المراهقون والأطفال، ما انعكس تالياً على العلاقات داخل الأسرة، ومكانة الوالدين في حياة الأبناء، ومساحة الحوارات والعلاقات المباشرة بين الناس!

أيضاً تنامت ظواهر سلوكية سيئة بشكل طاغ (صحيح كانت موجودة، لكن السوشال ميديا منحتها بروزاً واعترافاً)؛ كالادعاء والتباهي لكسب المتابعين وإعجابهم، وادعاء الحكمة من خلال نقل واستعارة اقتباسات وحكم لكبار الأدباء، يقابلها تلك الشراسة والتنمر الإلكتروني في مواجهة المخالفين، النصب والاحتيال الذي يقع المراهقون ضحايا سهلة له وبشكل مدمر، ولدى الشرطة الإلكترونية حكايات بلا حصر عن مراهقين فقدوا حياتهم بالانتحار بسبب ذلك.

الحوارات المليئة بكلمات وعبارات تزخر بالعنصرية والكراهية والتطرف والسخرية من الآخرين، لا لشيء إلا لأنهم يعارضون ما نقول، أسهمت في تدمير أي توجه لحرية التعبير، أو لاحترام الرأي الآخر، ثم هذه المبالغة في الحياة الافتراضية الوهمية والمتسارعة، وشيوع ظاهرة نشر وتناقل الأخبار الكاذبة، دون تثبت وانتشار الإشاعات بسرعة البرق، ثم الإعلاء من شأن ومكانة أشخاص عديمي الثقافة والعلم والمعرفة، ورفعهم لمصاف النجوم والمشاهير، بل والمؤثرين، وهذه واحدة من أكثر سيئات السوشال ميديا تدميراً وخطورة!

هذا لا يعني أن السوشال ميديا بلا فوائد، ففوائدها كثيرة جداً وفي مجمل حياة الإنسان، يكفي أنني كسائح ما كنت لأكون في هذا المكان، وما كنت سأعرف كل شيء عنه لولا آلاف المواقع والمعلومات، وشلال من مقاطع الفيديو التوضيحية، بدءاً بإجراءات السفر المعتادة، وانتهاء بحجز تذاكر مدن الألعاب، القطارات والمتاحف، المطاعم الفاخرة، قاعات السينما.. إلخ.

لكن كيف صدقنا أكاذيبنا التي اخترعناها، وصرنا نقدم أنفسنا بها على السوشال ميديا؟.. غداً نكمل.

Email