الحياة مجموعة أوهام

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعيش في عالم واحد لكن هناك عوالم أخرى تتحرك معنا بالتوازي، أما بالنسبة لنا فما نؤمن به هو ما نعيشه، وما نعتقده هو ما يمكننا لمسه، ومثل العوالم المتعددة، فإن أي إنسان نتعامل معه أو نعرفه، لا يملك وجهاً واحداً فقط، ولا الحياة العلنية التي نعرفها عنه، وليست شخصيته هي تلك الظاهرة التي نعرفها فقط، ما يعني أن التصورات في حياتنا أكثر من الحقائق، والأوهام أكثر من اليقينيات!

ليس ذلك حكراً على الأشخاص فقط، فحتى الأفكار يمكن أن تضمر من الإلغاز والأسرار ما لا نتمكن من سبره بسهولة، وكذلك الأمكنة والذاكرة المتخيلة! نعم فالمنازل التي سكناها في طفولتنا ومدارسنا وساحات اللهو واللعب، لقد كنا نظنها حقائق مطلقة كما كنا نراها بعين طفولتنا ونحفظها بتلك الذاكرة التي كانت تختزن كل شيء كما كنا نعتقد ونصدق، لا كما هو على أرض الواقع!

في طفولتنا كنا نرى مدرستنا كبيرة جداً ذات طوابق عالية وسور بلا نهاية وبوابة ضخمة تتسع لدخول كل الطلاب الصغار دفعة واحدة، بيتنا أيضاً نتحدث عنه على أنه كان كبيراً وجميلاً ومختلفاً، لكن الحقيقة هي أن المدرسة صغيرة وعادية والبيت في منتهى التواضع، نحن نؤمن بأفكار ونحتفظ بتصورات ذهنية نصدقها ونحملها في داخلنا دون أي محاولة لمراجعتها أو التيقن منها.

حين مررت بمدرستي الابتدائية التي درست فيها سنوات السبعينيات وجدتها صغيرة جداً وببوابة حديدية متواضعة، بينما ظللت مقتنعة عمراً بأنها كبيرة إلى درجة أننا لم نكن نستطيع أن نقطعها بسهولة من أولها لآخرها في ذات النهار!

وتلك المرأة التي كانت تبكي وهي تتحدث عن ابنها الذي تغير في تعامله معها وصار بخيلاً بسبب زوجته التي استحوذت على اهتمامه، بينما الحقيقة أن هذا الابن ظل بخيلاً وأنانياً وقاسياً طيلة حياته، بحيث لم يقدم لها هدية بسيطة في أي يوم حتى عندما أصبح موظفاً، صورة الابن البار كانت صورة ذهنية في خيال الأم وليست حقيقية أبداً والزوجة لا علاقة لها بالأمر أبداً!

Email