تحية فيما وراء الغياب

ت + ت - الحجم الطبيعي

هنا حديث من القلب لأحبة علينا، عشنا معهم وبهم وفيهم، فكانت حياتنا حيوات أينعت كثيراً، أحبة كان فقدهم قدراً احتاج لقدر كبير من الإيمان لتصديق حدوثه، ولقدر أكبر من الصبر للاستمرار في العيش بدونهم، ولأن نجلس متماسكين كثيراً ومصدقين بإيمان بأن الموت هو الوجه الآخر من الحقيقة، وأن علينا أن نقبل به مهما كان حارقاً.

لأبي وجدتي وجدي وخالي وصديقتي ولكل أصدقائي الذين رحلوا، هذه تحية بعيدة ربما، لكنها قد تكون أقرب إليكم مما أتخيل وأنها ستصلكم بالشكل الذي تقرره نواميس الغيب والكون، تحية لذكرياتكم التي لم أتوقف عن استعادتها، لشخصياتكم التي امتدت وأينعت في داخلي، لعطاياكم ولقلوبكم ومحبتكم التي غمرتموني بها في حياتكم، هذه تحية لكل الغائبين الذين علينا أن ننتبه ونتوقف عن إهمال ذكراهم في زحام الحياة.

وهذه تحية لصديقتي في ذكرى وفاتها الرابعة، تحية كصباح الخير التي اعتدنا أن نقولها لبعضنا كل صباح.

(يا صديقتي التي لم تذهب للغياب أبداً، لقد ذهبت في داخلي أكثر، فينا كلنا الذين نحبك، أنت التي لن تتكرري أبداً، أنتِ التي كنت كأم فهل تتكرر الأم؟ وكعمر نضر، فهل يتكرر العمر النضر؟ لن نعيش الحياة مرتين يا صديقتي، ولا صداقتنا ستتكرر، ليس لأنكِ رحلتِ أو لأنك من جنس آخر غير جنس البشر، لكن لأننا أنت وأنا، احتجنا لثلاثين عاماً من أجمل أيام العمر كي نعبر الطريق الطويل معاً ونجلس أخيراً في ظل الشجرة الخالدة: شجرة الصداقة الخالصة، الصداقة الخالصة التي لا تأتي سوى مرة واحدة في العمر!

سيظل قلبي يرنو إليك كل يوم حتى ألقاك، وأنظر في عينيك، وأمتلئ بصوتك حين تناديني وحين تمازحينني، وحين تتوجعين بصمت وتظنين أنك تخفين وجعك عني، وأنني لا أشعر بك، لقد كان قلبي من يتوجع حين يلوح في صوتك خيط وجع صغير.

لترقد روحك في طمأنينتها راضية مرضية).

Email