القراءة ليست هواية

ت + ت - الحجم الطبيعي

القراءة ليست هواية أبداً ولن تكون كذلك حسب ما أعتقد، فهي لا تشبه المشي ولا الرقص ولا جمع قناني المشروبات الغازية أو الطوابع، وهي لا تشبه الطهي أو التطريز أو لعب الكرة!

ومع التأكيد على أهمية وجمالية كل ما سبق من هوايات، إلا أن القراءة ليست كما تردد على أسماعنا ونحن صغار في المدرسة أو كما سمعنا في برامج الأطفال، وقرأنا في صفحات التعارف في مجلات أيام زمان، حين كان البعض يضع صورته لمعاكسة الفتيات بشكل لطيف مُصراً على أن هوايته القراءة وجمع ريش الدجاج!

حينما تعلمت التطريز وأحببته وبرعت فيه وأنا طفلة في المدرسة، أدركت أن للأمر علاقة بالوراثة، فوالدتي مشهود لها في هذا المجال، لكن القراءة ليست تطريزاً، ولا علاقة لها بالوراثة، فقد ينجب ديكنز أو تولستوي أو طه حسين أبناء لا يحبون الكتب أو القراءة، ولا يمكنهم إجبارهم عليها. أتذكر أن زارني يوماً في مكتبي في الصحيفة واحد من كبار المثقفين، وحين تحدث عن بعض هواجسه ذكر عدم رضاه عن صدود أبنائه عن القراءة رغم محاولاته تشجيعهم عليها!

القراءة لها علاقة بشغف المعرفة، وهي وثيقة الصلة بتكوين شخصية الإنسان وتطورها، يقولون إنك لا تضع قدميك في ذات النهر مرتين، لأن النهر يتجدد كل لحظة، ولأن الإنسان نفسه يتغير باستمرار بفعل الحياة وفعل القراءة، لذلك تصعب مقاربة القراءة بالطهي أو لعب الكرة، تلك هوايات حقيقية تنمي جانباً حسياً أو جمالياً في الإنسان، لكنها لا تفعل ما تفعله فينا القراءة.

إن قراءة كل هذه الكتب على امتداد سنوات العمر، توسع مداركنا لكل ما حولنا، وتدفعنا لنطرح أكثر الأسئلة حرجاً وخطورة، القراءة تراكم وعينا يوماً إثر آخر وطبقة فوق أخرى، نصير بالقراءة أشخاصاً متسعي الأفق، ولدينا ذلك الاستعداد لقبول الآخر والمختلف بكل تفهم، القراءة تطورنا وتكشفنا وتساعدنا على الاكتشاف، وتمنحنا ذاك الكشاف الذي يعيننا على السير في أكثر الأنفاق ضيقاً، ومن ثم الخروج منها بسلام.

Email