أعوام نجيب محفوظ

ت + ت - الحجم الطبيعي

على امتداد يومين تقريباً استمعت إلى كتاب صوتي يتتبع سيرة حياة الروائي الكبير نجيب محفوظ، كما كتبها الصحفي المصري محمد شعير، في كتاب أصدره مؤخراً بعنوان (أعوام نجيب محفوظ: البدايات والنهايات)، معتمداً على نص مؤسس ومهم جداً كتبه نجيب بنفسه في عشرينيات القرن الماضي، وكان لا يزال في بدايات حياته، في المرحلة الثانوية تقريباً، وجعل عنوانه (الأعوام) مستلهماً السيرة المعروفة لعميد الأدب العربي طه حسين التي كتبها بعنوان (الأيام).

في كتابه، يواصل محمد شعير الحفر في أرض ممتدة ومليئة بالخفايا والفرائد والطرائف والأسرار، تلك هي حياة ومشروع نجيب محفوظ السردي الضخم والشاسع جداً، فبعد كتابه المهم والقيم (أولاد حارتنا: سيرة الرواية المحرمة) يأتي هذا الكتاب ليسد فجوة ربما، لطالما تساءل عنها الصحفيون ومحبّو نجيب محفوظ، ولطالما سئل هو شخصياً عنها في العديد من اللقاءات:

لماذا لم تكتب سيرتك أو مذكراتك أو قصة حياتك؟ فكان، رحمه الله، يقول: الذين يكتبون قصة حياتهم لديهم ما يحكونه، أما أنا فكاتب أعيش حياة بسيطة، فماذا سأروي؟ وبذهنية المحقق الذكي يأخذ محمد شعير على عاتقه مسؤولية الرد على نجيب محفوظ ليثبت له أنه قد كتب سيرته بالفعل عندما نثر حياته وشخصيات حياته في كل أعماله الروائية، ومن خلال نص (الأعوام)، إضافة لتفكيك معظم رواياته وقصص محفوظ القصيرة، ضافراً من هذا كله سيرة حياة حافلة وشديدة التركيب والتعقيد، وليثبت أن حياة محفوظ لم تكن بسيطة أو خالية من الأحداث والمحطات الهامة، بل والخطيرة واللافتة.

إن أهم ما يمكن التوقف عنده في الكتاب هو تلك الطريقة الخلاقة التي كان يصنع بها محفوظ شخوص وأبطال رواياته، طريقة في غاية العبقرية، فكيف تناسلت تلك الشخصيات، كيف اكتست لحماً ودماً وسمات نفسية وخلقية، وكيف نمت وتطورت وشكلت تاريخ الحارة المصرية، والتاريخ المصري في كل حقبه وتطوراته؟ لعبقرية نجيب محفوظ أسرار لم تكتشف حتى اللحظة تضاهي أسرار الأهرامات تماماً!

 
Email