حديث في الأدب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتقد البعض أن الكتابة في الأدب وحول الأدب، ليست سوى شكل تجميلي، كلون براق نضيفه إلى اللوحة لنمنحها ذاك البهاء الصقيل المحبب، أو كإضافة فاخرة نلقيها في أرجاء بيت شاسع شارف على الاكتمال.

وبلا شك، الأدب حرفة، وهو موهبة يولد الإنسان بها، ومن ثم تتكشف وتظهر مع التطور في العمر، حتى تدفعه دفعاً للإعلان عنها، ومن ثم الانتباه والاهتمام بها بكل جدية: قراءة وبحثاً ودرساً وتنقيباً في أرض الأدب الشاسعة، ذلك أن من ميزات أرض الأدب أنها تتمدد في كل التاريخ الإنساني، وفي كل الثقافات واللغات، فهل سمعت، يا رعاك الله، أمة أو شعباً لا أدب عندهم ولا تراث ولا ثقافة، من هنا فالأدب يأخذ ويضيف، لذلك هو إنساني الطابع.

على ذلك فليس الأدب للتسلية أو التباهي أو استكمال مشهد المدينة المتحضرة، الأدب علامة من علامات تطور المدينة والإنسان، وهو راصد أمين لمن شاء أن يتتبع تلك التحولات المتشابكة التي أصابت شكل المدينة وجذر العلاقات الإنسانية فيها، وهو حين نفككه ونشرحه بمبضع الناقد المحترف أو المهتم الفاهم نستطيع أن نسبر حقيقة المجتمع بكل طبقاته، التي نراها والتي لا نراها، وربما لا نعلمها إلا عبر الأدب!

وحده الأديب والكاتب الفطن العارف باحتياجات مجتمعه من يصل لتلك الطبقات، فيظهر مكنوناتها الخفية ما راق لنا منها وما لم يرق، كما يفعل المنقب في طبقات الأرض العميقة، إلا أن الأديب يحفر بقلمه تحت جلد المجتمع فيجسّ علامات العافية، كما يفقأ دمامله السامة، وهذا أحد أسرار قوة الأدب.

لذلك فليس الأدب أن تكتب وتنشر، ولكن الأدب أن تكون لك تلك الاستطاعة والقبول على أن تواجه بما ألَّفته الناس والمجتمع في الداخل والخارج، أن تتلقى الهجوم على ما كتبت كما تتلقى باقات الزهور على حد سواء.

Email