كهنة الأدب

ت + ت - الحجم الطبيعي

استخدمت الشاعرة والمترجمة المصرية إيمان مرسال، الحائزة جائزة الشيخ زايد فرع الآداب لهذا العام، عن كتابها القيم «في أثر عنايات الزيات»، أنماطاً أدبية متباينة في روايتها، فمزجت بين الذاتي والموضوعي، وبين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية والتحقيق الصحفي، كما جعلت المقابلة والملاحظة والاستقصاء والبحث في الأرشيف الرسمي، أدوات بحثية في سعيها لتتبع حياة وأثر عنايات الزيات، فجاءت الجائزة في جانب منها تتويجاً ومكافأة لهذا الجهد البحثي الدؤوب.

لقد غادرت عنايات الزيات الحياة من دون أن تشهد نشر روايتها الوحيدة «الحب والصمت»، ومن دون أن تتمكن من البدء بمخطط روايتها الثانية حول العالِم الألماني كرايمر، فما الذي تتبعته إيمان مرسال إذن، ما دام أن عنايات لم تترك مشروعاً روائياً يعتد به، أو تصنَّف باعتبارها اسماً مؤثراً في المشهد الأدبي المصري؟

كانت مرسال تبحث من خلال عنايات عن معاناة المرأة الأديبة وسط مجتمع لم يكن يعترف بموهبتها، أو بحقها أن تكون ظاهرة للعيان، ويشار إليها كشخص مستقل وقادر على المجاهرة برأيها والمطالبة بحريتها واستقلالها، ومن دون العبور من بوابات (كهنة الأدب)!

كهنة الأدب هو الاسم الذي أطلقته إيمان مرسال على مجموعة من الأدباء المتنفذين على القرار الأدبي، قرار الحضور في المشهد بقوة، قرار السماح بنشر وتداول عمل إبداعي ما، وهي في كتابها قصدت أدباء بعينهم وسمّتهم بأسمائهم (أنيس منصور، والسباعي، ومصطفى محمود..) باعتبار أنهم وقفوا من دون قبول روايتها وبالتالي نشرها، ما ضاعف من حالة اليأس والمخاوف التي كانت ترزح تحت عبئها، وما قادها في النهاية (في 5 يناير من عام 1963) إلى ابتلاع كمية من الحبوب للانتحار!

لتبقى روايتها طي الكتمان حتى عام 1967، العام الذي نشرت فيه الرواية بعد أن كانت صاحبتها قد غادرت الحياة.. يتساءل أحدنا: كم من المبدعين لم تتسنَّ لهم فرصة الحضور في المشهد الثقافي للسبب نفسه: سطوة كهنة الأدب؟!

Email