أبجديا

ماذا لو لم أدرس السياسة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت المرة الأولى التي أذهب فيها لمدينة العين، كنا يومها مجموعة من الفتيات المراهقات اللواتي أنهين للتو دراستهن الثانوية بتفوق، ووافقت أسرنا على أن نكمل تعليمنا الجامعي في جامعة الإمارات بمدينة العين. كانت تلك خطوة جبارة بالنسبة إلينا، ولمجمل السياق الاجتماعي الذي يتحرك فيه مجتمع محافظ جداً كمجتمع الإمارات سنوات الثمانينيات.

هناك، في مشهد منفتح على ما لم أعتده، ومتعدد بطريقة مفاجئة، وجدت نفسي في مواجهة المختلف والمتغير والجديد، كنت يومها فتاة صغيرة، انحصرت حياتي ما قبل الجامعة بين المدرسة والمنزل والكتب، ومع ذلك اخترت بوعي تام تخصص العلوم السياسية، لكثرة ما قرأت في السياسة ربما، وبسبب تأثري ومعظم شباب جيلي بأفكار وحركات ورموز النضال العربي التي غالباً ما كانت حاضرة في أحاديث آبائنا، إضافة لنشرات الأخبار التي كانت طقساً ثابتاً في معظم المنازل، ففي بيتنا كان الكلام ممنوعاً ومقموعاً أثناء إذاعتها.

إن الظروف التي نولد وننشأ فيها تخلقنا تماماً، كما تؤثر فينا تلك الموجات الفكرية والوجدانية التي تحكم زماننا، كما تصوغنا توجيهات الوالدين، وتعليمات المعلمين وأفكار العائلة، فقد نشأنا في بيوت صارمة تقدس الأفكار المثالية والرموز، والأساطير، وقد لعب ذلك كله دوراً كبيراً في اختياراتنا وطريقة تفكيرنا وما آل إليه أمرنا حين ذهبنا للجامعة، حيث لم نذهب خالين أو ساذجين، لم نكن كطبول صفيح فارغة، كنا قد قرأنا الكثير الكثير في الأدب والفلسفة والسياسة والتاريخ والدين.

لقد كانت لدينا أحلام كبيرة تتفق مع ما كنا نقرؤه ونعرفه، فهل كانت القراءة هي السبب؟ بلا شك كانت المعرفة هي النافذة الواسعة جداً التي وقفنا عليها لنطل على كل العالم من جميع جهاته بدهشة وشغف ومثالية، كنا نريد أن نلمس حدود دهشتنا تلك، وحدود أحلامنا ونعرف ذاتنا، لكن السياسة التي درسناها لم تترك شيئاً على حاله!

Email