الفن والسلطة 2-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تدور رحى الكلام حول الفن، فإن أذهاننا تذهب سريعاً لاستحضار تلك الأفكار المتوارية في تلافيف أدمغتنا عن الفن والفنانين، تلك الصور والأخبار والمعلومات التي استقاها الناس من الصحف ومجلات الفن وبرامج الإذاعة والتلفزيون؛ لذا علينا أن نعرف حقيقة الفن لنعي مدى سلطته على الجماهير!

للفن تعريفات كثيرة ومختلفة، فعند الفلاسفة يُعد الفن شكلاً نوعياً من أشكال النشاط الإنساني الذي يعكس وعي الإنسان بواقعه الاجتماعي، ولكن بصورةٍ فنيّة، فطرق التعبير الكثيرة التي يتعامل بها الفنان تقدم للناس تصوراً جمالياً قادراً على استيعاب العالم والإلمام بكل اتساعه وتناقضاته وجمالياته!

باختصار: الفن ليس غناء ورقصاً فقط، وحتى حين رقصت الشعوب، أو غنّت لتعبر عن أفراحها ومخاوفها وعلاقتها بالكون وظواهره، فإنها استدعت بموسيقاها وضربات أرجلها كل طاقات الجسد لتطلقها بحرية، معلنة رغبتها في التعايش مع كل ما يحيط بها أو لتقدم لها هويتها، وهي حين كتبت أو رسمت أو نقشت، فإنها في المقام الأول تعبر عن رغبتها في التواصل والاتصال، والأهم في التأثير والاستحواذ على الآخر!

لنتذكر كيف يقف الناس طوابير بلا نهاية لاختطاف نظرة على لوحة «الموناليزا» في متحف اللوفر، أو للتأمل بافتتان في لوحة «العشاء الأخير»، أو منحوتات ورسومات مايكل أنجلو في الفاتيكان، وكيف يكون تأثير صوت فيروز وأم كلثوم وعبد الحليم، أو السمفونيات العظيمة فينا، وكيف نظل مبهورين زمناً أمام أداءات أنطوني هوبكنز وتوم هانكس وجوليا روبرتس، أو غناء فرانك سيناترا ومايكل جاكسون مثل الملايين حول العالم، وهو الأمر الذي يفسر حالات الهستيريا التي تصاحب ظهورهم في مكان ما أو عند وفاتهم!

إن الفنون سلطة استحواذ حقيقية إذاً، وفي أبسط تعريفاتها تتجلى السلطة في القدرة على التأثير في القرارات والسلوك والأفكار والانفعالات، هذه السلطة التي بدأت، حين عرفها الإنسان، من جذرين أساسيين اتفقت عليهما البشرية هما الدين والأخلاق، الجذر الديني هو ما قادنا بالتقنين إلى سلطات أخرى كرجل السياسة والمسؤول والناقد والمتحف وقاعة العرض والمتلقي ومعادلات السوق!

اقرأ أيضاً:

الفن والسلطة 1-2

 

Email