الحب.. فن وليس صدفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط عالم يكاد يكون الصراع والتقاتل والمنافسات الشرسة بين الأفراد والمجتمعات والدول سِمته الرئيسة التي حولت الحياة إلى أرضٍ قاحلة وقاسية، كما باعدت بين الناس والقلوب، يبدو من الطبيعي أن يبحث الناس عن واحات مترعة بالأمان والنسمات اللطيفة ليخففوا بها جفاف عوالمهم التي يحرثونها طيلة الوقت بالعمل والتدافع، فكيف يحصلون على بُغيتهم الحالمة هذه؟

يلوّح لنا عالم النفس والفيلسوف الإنساني، الألماني الأصل، إريك فروم بكتابه «فن الحب»، الذي يقدم لنا من خلاله واحداً من أهم وأصعب الخيارات أمام الإنسان الذي يبحث عن إنسانيته وطمأنينته، ونقاط القوة التي يمكنه اكتشافها بسهولة في داخله، فهو يتحدث عن «الحب» الذي يبحث عنه الجميع دون أن يعوا أنه فن عليهم أن يحيطوا بمعادلاته واشتراطاته الدقيقة، لا مجرد فرصة سعيدة، ولا صدفة يقع الإنسان فيها دون سبب ظاهر، كما يحب معظمنا أن يعتقد.

يُعرّف إريك فروم الحب في كتابه، الذي هو مبحث نفسي وفلسفي في طبيعة الحب وأشكاله، بأنه ليس علاقة بشخص معين، بل هو موقف يُحدد علاقة الشخص بالعالم ككل وليس تجاه موضوع واحد للحب. ولهذا يربط فروم بين أن يعيش الإنسان تجربة حب حقيقية وبين مستوى وعيه وتطور مجتمعه. هل يبدو لكم الكلام غريباً، أو غير مستساغ؟ ربما، لأننا جميعاً نعتقد أن الحب مجرد صدفة طارئة يشبه شخصاً يقطع طريقاً يتفرج فيه على واجهات المحلات وفجأة يتعثر بشيء ما ويقع، هكذا يتصور معظمنا حدوث الحب!

لذلك فهناك حب حقيقي قائم على وعي بذاته وقواه واحتياجاته، وهناك رغبة قائمة على الاشتهاء والتعويض والمقايضة وفق آليات السوق التي تسيطر على ذوق وتوجهات إنسان اليوم. يقول فروم إنه لا يمكن الحصول على الحب الفردي دون مقدرة على محبة الجار ودون التواضع الحق، والشجاعة، والإيمان والنظام، وعندما تكون هذه الصفات في مجتمع ما نادرة فإن اجتياز القدرة على الحب يجب أن يظل تحققاً نادراً، وما لم يعرف الإنسان نفسه، وينتبه لحقيقة هذه النفس وقواها، فلن يحظى بحب حقيقي أبداً!

 

Email