أن تعيش الحياة بمتعة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو أننا نصبنا كاميرا لتلتقط تفاصيلنا خلال نهار ما، ثم صرنا نسجل كل ما يستوقفنا خلال ذلك النهار، كل ما نفكر فيه وما تسترجعه ذاكرتنا، ما يأخذ تفكيرنا بعيداً، ما يستولي على انتباهنا ويشد قلوبنا له، ما يؤلمنا، وما يتعبنا ويجهدنا ويجعلنا أكثر الناس بؤساً في لمحة عين وأكثر الناس فرحاً، ما يظل مترسباً في أعماقنا كبقايا وشم وما ننساه سريعاً، فما الذي يمكن لهذه الكاميرا أن تسجله وأن تعرضه علينا في آخر النهار؟

ستعرض علينا شريطاً مليئاً بالتفاصيل، وهذه هي الحياة، المزيد والكثير من التفاصيل والأفكار والهواجس، أما ما يترسب فينا فليس بالشيء الكثير، نظراً للطريقة الخاطفة التي نعيش بها الحياة هذه الأيام.

هناك فارق شاسع بين أن تعيش وأن تحيا، بين المضي في الحياة اليومية المتكررة وبين الاستمتاع بتفاصيلها، بين أن نقرأ بانتباه وبين أن نتباهى بقدرتنا على القراءة السريعة، بين أن نعيش لنأكل ونلبس ونصرف أكبر قدر من المال، ونرى أكثر ما يمكننا من المناظر والأماكن وبين أن نتعلم من كل ما يعبر أفق يومنا، والسلوكيات التي تمر بنا وقد تصدمنا أو تجرحنا.

هناك فرق بين الكلمة ووقعها، بين الصوت ودلالته، بين مرور الناس وتأثيرهم في حياتنا، هناك فارق شاسع بين ما نراه وبين الحقيقة التي تكمن وراءه، أحيانا تشعر وكأنه لا شيء يبدو حقيقياً بالفعل، ومع البعض تتيقن بطريقة لا جدال فيها أن البعض لا يرتدي أقنعة كما يفعل الجميع، بل إنه نسي وجهه تماماً، فما عدت تدري بالضبط كيف يمكن الوصول إلى حقيقته طالما لا شيء يبدو حقيقياً في ملامحه.

الحياة بوقعها السريع الذي نعيشه اليوم لا تدع لنا مجالاً لنتنفس بشكل طبيعي، ولنتفحص الأشياء على مهل، لذا علينا في الأغلب الأعم أن نتقبلها كما هي، أو نتركها كلها ونغادر المكان.

إن الحياة في معناها العميق تمنحك الفرصة لتعرف وتفهم وتقرر، لكن ذلك لم يعد متاحاً في عالم اليوم، لا أحد يريد أن يفعل ذلك، لا أحد يريد أن يفهم الآخر أو يدخل إلى أعماقه، يقولون لك ليس هناك وقت لهذه العلاقات الحالمة، الحياة اليوم لا تعاش إلا بطريقة الوجبات السريعة (اقتنص واجرِ)، وتلك طريقة صعبة ومضرة للمزاج وللصحة، كالوجبات السريعة اللذيذة، لكنها بلا فائدة، وللأسف فإن الجميع قد اعتادوها وما عاد أحد يسأل عن مدى ملاءمتها للصحة أبداً.

Email