ثقافة القبح!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتعس ما يمكن أن تعيشه من مشاعر أو أحاسيس هو عدم إحساسك بما يحدث حولك، بما يعرض أمامك، بما يجري في أقاليم جغرافية بعيدة عنك، وربما تكون قاب قوسين قرباً من مدينتك، مع ذلك فأنت ترفع كتفيك ببلادة وتمط شفتيك قائلاً: وما خصني بهم؟ أو ما عندي يكفيني، أو إذا كنت أمام مشهد كارثي يعرضه التلفزيون لتفجير محطة قطارات أو زلزال أو حادث إرهابي راح ضحيته طلاب مدارس مثلاً، تجد يديك تفتشان بتوتر عن جهاز التحكم لتغير المحطة، تريد تشويشاً صارخاً يقلب المشهد الدامي في ذهنك ويمحوه، حتى يستريح ضميرك وتنام قرير العين في المساء!

لماذا تبلدت أحاسيس الناس تجاه الموت؟ لأن الموت أصبح تفصيلاً يومياً في حياة الناس، ولأن الإنسان يعتاد أبشع الأشياء، يعتاد حتى على ما يهينه وما يعذبه وما يطحن إنسانيته، ويمضي في الحياة معطوب القلب بنصف إنسانية ربما وبلا مشاعر. يقول أحد السود في الفيلم الذي أشاهده حين سأله سيده: هل تعاطفت مع تلك الفتاة التي ضربتها بالأمس حتى سال دمها؟ أجاب: لا يا سيدي، وحين سأله: لماذا؟ قال: هكذا أفضل وأريح، لأنني لو تعاطفت سأعاني مرتين، مرة لأجلها، ومرة لعجزي عن فعل شيء لها!

ليس الموت فقط ما اعتاده إنسان مدن الحداثة أو ما بعد الحداثة، ابن الميديا البار ومواقع التواصل، لقد اعتاد كل شيء، كل شيء سيئ، قبيح، عديم الذوق، ورديء، صار يرى في سراويل الجينز المقطعة التي تكشف من الجسد أكثر مما تستر موضةً، ونمط ثياب راقية، يتباهى بها ويشتريها من أرقى المحلات، دون أي إحساس بالخجل أو الحرج!

هذا الإنسان الذي كان سلفه من عدة سنوات يرى في الثياب المقطعة مؤشراً اقتصادياً إلى الفقر والحاجة وضعة الحال، وصار يرى ذبح الإنسان بسكين على مرأى سكان الكوكب أمراً عادياً طالما فعله إرهابيو «داعش»، وصار التشاتم والقذف والسب والتشكيك في أخلاق ودين ووطنية الناس أمراً جارياً على مواقع التواصل، وهو من علامات حرية التعبير، لا من علامات تدهور الذائقة والأخلاق!

لا نسير باتجاه إنسانيتنا، البارحة كنت أشاهد عرضاً للأزياء النسائية في باريس، كانت العارضات يحملن فوق أكتافهن أدوات منزلية أو عدة تخييم (مكنسة وبطانية وثياب متنوعة)، وبشكل قبيح، لماذا؟ قال المصمم: للتعبير عن أزمة الإنسان المعاصر! يا ترى ما تسبب في أزمات أو تأزيم الإنسان المعاصر لهذه الدرجة من القبح؟ (والمصمم نموذج لهذا الإنسان).

 

Email