أن تسافر.. أن تختبر الحياة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بلا شك فإن السفر واحد من الخيارات الإنسانية الجميلة، التي يتيحها لك الزمن، وتهديك إياها الظروف، ومن ثم يحولها من يرافقك إضافة لمعارفك والوجهة التي تختارها: إما إلى تجربة جديرة بأن تحتفظ بها ذاكرتك طويلاً، وتصير تتحدث عنها كأنها منجز يستحق التباهي، وإما أن تقر بأنها الخطأ الذي لن تكرره ثانية بذلك السياق الذي حدث.

بعض المدن لا تحاول أن تغير زاوية النظر إليها، فهي من جميع الزوايا ليست جديرة بالزيارة بالنسبة لك أنت تحديداً، حتى وإن كانت غير ذلك لمن نصحوك بها، فمزاج المدن لا يناسب الجميع بالمقدار نفسه، أما الأشخاص أنفسهم فهم حبكة الحكاية، إن طابوا طابت الرحلة، وإن كانوا سيئين حولوا سفرك إلى تجربة لا تودّ مجرد تذكّرها!

فكيف نعرف مدينة ما؟ وكيف نتعلق بها ونقع في هواها، بل ونصر على تكرار زيارتها؟ نعرف أن بعض المدن تتوافق مع مزاجنا، تتصالح مع طبيعتنا، تعطينا ما نبحث عنه، تسهل لنا فتح أبوابها الواحد تلو الآخر، تجد أهلها طيبين، مستعدين لمنحك يد المساعدة في أية لحظة، في الشارع، في محطات القطارات، في سيارات الأجرة، في المطاعم، في محلات بيع التذكارات وفي داخل محلات البقالة الصغيرة جداً تلك التي تلتقي فيها برجال متجهمين غالباً، أو بسيدات كبيرات في السن وصارمات لكنهم مستعدون لتقديم المساعدة دائماً!

إن أسوأ ما قد يقابلك في أية مدينة هو الفوضى، وانعدام الأمن، لكن الأكثر سوءاً هو وقوعك بين يدي سائق سيارة أجرة لا يقل سوءاً عن اللصوص، فهو إما أن يسرقك بصفاقة، أو يعبث بعداد السيارة، أو يوصلك إلى وجهة ليست التي أردتها مستغلاً جهلك بالمدينة، ما يجعلك تائهاً وسط مدينة لا تعرف لغة أهلها، ولا هي تعترف بلغات العالم!

وأمام أسوار بعض المدن، وأنت تلج بواباتها تقول: لقد جئت هذه المدينة قبلاً، زرتها وقضيت فيها أياماً، لكنني لم أرها كما أراها اليوم مع هذا الصديق، وقد تتساءل؛ أهي نفسها تلك المدينة التي قدمتها منذ خمسة أعوام؟ وتبدو متشككاً بالفعل، لأن عملية الإدراك التي تعيشها اليوم قد اتسعت لتشمل المدينة كلها، فإذا بك ترى الغابة بكل أشجارها، بينما استغرقت سنواتك السابقات وأنت تتأمل شجرة واحدة لا أكثر، مع البعض أنت لا تكتشف المدينة فقط، أنت تختبر الحياة في حقيقتها!

Email