كيف ترى حياتك !

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تستطيع أن ترسم شكل الحياة التي تعيشها؟ يبدو لكم السؤال مباغتاً ربما، فحتى لو وعينا شكل الحياة التي نحياها بتفصيلاتها المعتادة والسمجة، وخطوطها العريضة المفروضة والمقدّرة، فإنه يبدو صعباً أن نرسم شكل حياة كاملة هكذا ببساطة، لكن ذلك الشاب الذي خضع للتجربة فعلها، فقد تناول الورقة والقلم، وشرع يرسم بثبات شكل حياته التي يعيشها!

فماذا رسم؟ رسم علبة كبيرة بداخلها علبة أصغر فأصغر وهكذا! وحين طلبوا منه أن يشرح ذلك، قال لهم: المنزل المغلق علبة مقفلة علينا، حين نخرج منها فإننا لا نتحرك سوى بضع خطوات، لندخل علبة أخرى هي السيارة مثلاً، ثم نغادرها لعلبة أخرى هي مؤسسة العمل، ونعود لعلبة السيارة، لنغادرها لعلبة كبيرة هي المركز التجاري.. وهكذا، تتحول الحياة في بعض المجتمعات إلى مجرد علب مغلقة على أصحابها، وهنا قد يحيلنا مفهوم العلبة لشكل الحياة، وقد يحيلنا إلى مضمونها أو معناها الكبير!

إن أغلب الناس لا يتحركون خارج هذه العلب وهم، لاعتيادهم عليها، لا يجدون في الأمر أي خلل، في حين أن هذا النوع من الحياة، يمكنه أن يفقد الإنسان الكثير من احتياجاته العميقة من دون أن ينتبه في أحيان كثيرة، فيتحول الأمر إلى اعتياد يلغي الضروري والإنساني، تماماً كأولئك الذين يسكنون على مقربة من المطارات، ويعتادون على ضجيج الطائرات، ثم لا يعودون يشعرون به!

في المدينة، نحن نعتاد السرعة حتى يصير الهدوء مدعاة للسخرية، كما نعتاد اللهاث والاهتمام بالقشور وتباعد المسافات بين الناس والاكتفاء بالعلاقات الافتراضية، والإغراق في الاستهلاك وارتداء الأقنعة. وفي بعض المدن لا يتخيل أحدنا مقدار اللامبالاة التي تحكم حياة الإنسان الذي يعتقد أحياناً بأنه كائن بلا قيمة وبلا أهمية وبأنه يعيش خارج حقل إنسانيته!

انتبهت إلى أن تجربة التسوّق خارج علب المراكز التجارية الضخمة في مدينة كفلورنسا، التي كنت أزورها منذ فترة، تجربة جميلة منحتني الكثير من خفة الحركة والبهجة، فالتنقل من حانوت لآخر عبر أرصفة متقاربة مع الكثير من البشر أمر إنساني يوفر لك فرصة سماع أصوات الجميع بشكل مباشر وحركة طبيعية، كما يمنحك فرصة رؤية الآخرين بدل عبورهم بالسيارات سريعاً وكأنهم غير مرئيين، كذلك العيش داخل بيوت بأفنية تطل على حياة الشارع أو على البحر مثلاً، تنظر من خلالها مباشرة فترى السماء في كامل بهائها وزرقتها أو حتى عتمتها واكفهرارها أمراً في غاية الإنسانية لا توفّره لك الأمكنة المعلّبة!

Email