الحضارة بين «الأشياء» والقيم!

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل «أشياء» أو منتجات حضارتنا الراهنة، وجدت لتخدمنا وتيسر حياتنا، وهي بكل أشكالها تمثل إحدى مراحل تطور المجتمعات التي أنتجتها، وعليه فإن التلفاز أو الهاتف أو السيارة لم تكن مجرد هياكل لأدوات فارغة من المضمون أو القيمة تم تداولها بالصدفة بين الناس، لا شك أن الحاجة هي التي أوجدتها، بمعنى أنها جاءت وليدة صيرورة تاريخية وتلبية لضرورات اجتماعية وإنسانية.

هكذا ظهرت الآلة، وتم استخدام الفحم والبخار والبترول، وهكذا عُرف المجتمع الذي أَسس المصنع وفجّر الثورة الصناعية، وهو نفسه المجتمع الجماهيري الذي أوجد صحف الأخبار والنشرات الاجتماعية، إذاً فالاختراعات أو أشياء الحضارة هي أدوات أو وسائل مادية تم تصنيعها بناء على قيم جوهرية محددة ضبطت إنتاجها وتداولها وانتشارها كالإتقان والدقة واحترام الوقت وغيرها!

لقد أردنا في بلدان الشرق أن نرقى بحياتنا، وأن نطورها للأفضل، فاعتقدنا أننا بشرائنا «أشياء الحضارة الغربية» و«منتجاتها»، مما صنعته تلك الأمم المتطورة، سنحظى بذلك التحضر الذي لطالما حلمنا بأن نحصل عليه، والذي جلدنا أنفسنا كثيراً لأننا متخلفون ولأننا لم نتمكن من تحقيقه، لكن ما حدث هو أننا لم نتطور، ولم نصبح كما يفترض أن يكون التطور أو التحضر حتى بعد أن اشترينا تلك المنتجات!

إن التحضر سلوك لا يتجزأ، وأول التحضر أن تتسق قناعاتك مع مظهرك الخارجي، ومقتنياتك مع مستواك المادي، وتعليمك مع مكتسباتك، فمن غير المقبول أن تكون موظفاً صغيراً خبرتك لا تكاد تذكر، بينما دخلك الشهري يتجاوز عشرات الآلاف! أو تشتري سيارة بنصف مليون وراتبك لا يكاد يكفي متطلباتك، هناك حياة مادية فارغة ننغمس فيها متباهين بامتلاكها، لكنها في نفس الوقت لا تتناغم مع شروط الحضارة ولا علاقة لها بالقيم التي نهضت عليها «أشياء» الحضارة، وهو ما يؤسس لفصام اجتماعي حقيقي يعاني منه الكثيرون!

كيف نرتدي أغلى الثياب ونقتني أفخر السيارات ثم لا نجيد السلوك في مقهى عام، أو لا نتقن أعمالنا ولا نتحاور بالمنطق والحجة، أو لا نعرف كيف نتعامل مع المال، أو كيف ننظر لخلافاتنا الفكرية!

 

 

Email