لا حياة أفضل مما نحن فيه

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما هي الحياة الأفضل أو الأجمل التي نحلم بها أو نظن أنها تليق بنا أو نعتقد بأننا لو حظينا بها سوف نكون أسعد خلق الله؟ أين تكمن هذه الحياة؟ أو كيف نحصل عليها؟ كثيرون سألوا أنفسهم هذا السؤال وهم يقارنون حياتهم الحقيقية بحيوات الآخرين التي رأوها أو قرأوا عنها متمنين لو أن الظروف أتاحت لهم معجزة تغيير حقيقية فيجدون أنفسهم في حياة أخرى وظرف آخر ومكان آخر؟

هي حالة إنسانية مشروعة ربما وإن كانت معجونة بالكثير من اللاواقعية والأحلام والمخاطرة، لأن المثل القائل (عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة) مثل صحيح ويصدق غالباً، لكن هناك أحوالاً مغرية يحب البعض أن يجد نفسه فيها، لكن حين يصير فيها يشعر بالندم ويبدأ رحلة المعاناة والحزن والسقوط في الكآبة، يصير هذا الشخص على العكس تماماً، يتمنى لو يعود به الزمن لما كان يعيش فيه سابقاً، يتمنى يوماً واحداً من أيام حياته البسيطة التي كانت، أصدقاءه الطيبين، حريته وتلقائيته وإنسانيته في أبهى وأبسط تجلياتها!

إن الرغبة في استعادة الماضي أمر ينم عن خيبة أمل في المستقبل، أمر يثبت أن المستقبل الذي تمنيناه في الماضي ونعيشه حاضراً اليوم ليس هو ما تمنيناه أبداً. كبار السن الذين يتمتعون بالرضا أو بما يعرف بإيمان العجائز يقولون لك في مثل هذه الحالة: إن عدم الرضا يقود عادة لسلب النعمة وسلب الرضا معاً. وهذا ما يدخل الكثيرين في إشكالات وأزمات نفسية حادة تقود البعض للاختلال والجنون أحياناً وأحياناً للتمرد والخروج من الحياة تماماً، وبدل أن يحظى الشخص من هؤلاء بالحياة الحلم، يدخل في نفق مظلم لا خروج منه!

إننا حين نحلم بحياة وأمكنة أخرى نهرب إليها معتقدين أنها أفضل وأنسب وأجمل مما نحن فيه فإننا نترك الكثير منا في الأمكنة التي غادرناها، يبقى جزء كبير منا هناك حتى لو رحلنا عن بيتنا البسيط وحيِّنا الفقير وأصدقائنا الطيبين، أما تلك الأحلام الصغيرة والبسيطة في داخلنا فلن نعثر عليها مجدداً إلا إذا عدنا للمكان ذاته وقد لا نحصل عليها حتى لو عدنا.

لا نتحدث عن السفر، ولا عن رحلات التغيير، ولا عن الرغبة الضرورية في العزلة أحياناً، نحن نتحدث عن ذلك الذهاب القسري إلى لا عودة منه كما كنا، أما السفر فإنه يضاعفنا، لأنه يزيدنا ويكثرنا، ويمنحنا حيوات جديدة وكثيرة، بينما الانفصال عن واقعنا رفضاً له قد ينقصنا ويسلبنا حتى أنفسنا!

Email