على هذه الأرض كثير يستحق الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حياة الإنسان قصيرة جداً مهما خيل لنا أنها طويلة بحساب السنين، فما عمرنا قياساً بعمر الحضارات الإنسانية والأرض وبدء الخليقة والكون المترامي الأطراف اللانهائي الامتداد والعمق والأسرار والغموض. حين نتتبع ذلك نشعر بكم العبث الذي يمارسه الإنسان حين يشعل الدنيا بالصراعات استعراضاً لنرجسيته المفرطة وعبادة لذاته التي تتضخم فلا ينتبه لها، لكنها تصبح وحشاً يلتهم إنسانيته وتحوله وحشاً على أتم الاستعداد ليحرق كل الأراضي لأجل أن يثبت أنه هو الأفضل والأجدر والأقوى ولا أحد غيره.

هذا الإنسان الذي يقول بصوت عالٍ إنه يتطور، ويخطط للمستقبل، في الحقيقة لا يفعل شيئاً طيلة النهار سوى إعادة إنتاج الصراع مع أي إنسان آخر يتقاسم معه الحياة والعمل والأرض والمواطنة والحي والصداقة، وقد يكون هذا أحد أسباب تزايد القطيعة بين الناس، وانعدام العواطف والعلاقات الحقيقية وتزايد الوشائج الزائفة، وكثرة القوانين التي يسنها المشرعون لمنع حدوث اعتداءات طائفية ومبادرات كراهية وعنصرية!

إن هذا الاستعداد السريع للغضب وتبادل الشتائم بين الناس في الشارع، وفي مواقع التواصل وفي مواقف السيارات ملفت جداً، وكذلك نظرة العدائية للآخر ومحاولة كبحها بالقوة حتى لا تفضح صاحبها. أليس ملفتاً هذا الإصرار في إصدار القوانين والتشريعات والفتاوى وتعديلات مواد الدساتير لضمان منع بوادر العنصرية والكراهية والفوقية والطائفية وفي معظم المجتمعات؟

إن هذا الجنوح نحو تمجيد الصراع هو ما ولد هذا الدمار الذي يعيشه كوكب الأرض، وهو الذي كرس لطبقية العالم بين شمال متحضر تقنياً ومتآكل إنسانياً وجنوب متخلف في الناحيتين، هو الذي شرع لنظرية إذا لم أقتلك ستقتلني، أو إذا لم تكن معي فأنت ضدي.

عمر الإنسان قصير دائماً، لكنه كان بإمكانه أن يكون جميلاً أيضاً لو أنه آمن بأن على الأرض ما يستحق الحياة أكثر من الحروب والصراعات، لو أنه آمن باتساع وبشساعة إنسانيته القادرة على صناعة الحياة والحضارة، لو أنه بحث وآمن بعظمة التفاصيل.

يقول محمود درويش:

على هذه الأرض ما يستحق الحياة، تردد إبريل، رائحة الخبز، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس، أول الحب، عشب على حجر وأمهات يقفن على خيط ناي!

Email