على عتبات عام آخر!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شيء يرحل أو يتلاشى من أعمارنا وأوقاتنا التي عشنا تفاصيلها لحظة بلحظة ويوماً بيوم، لا شيء يسقط في الفراغ، أو يمكن شطبه بجرة قلم أو بأمنية صغيرة من كل سنواتنا التي مضت، أياً كان وقع تلك السنوات علينا، فلا 2017 ولا التي قبلها، بكل ما فيها، يمكننا أن نقلب صفحتها ونقول ببساطة لتذهب إلى غير رجعة، لأن كل السنوات والأوقات مخبأة في داخلنا بمسراتها وأوجاعها، بتجاربها وبصماتها، بمآثرها وذنوبها، بأجمل ما فيها وبأتفه ما مر بنا، فما نحن في النهاية سوى هذه الأوقات وهذه السنوات التي عبرت وتعبر فوق رؤوسنا، وهذه التجارب التي صنعتنا وعبرت أرواحنا وقلوبنا.

يقول الروائي الفرنسي غيوم ميسو: «لسنا مصنوعين إلا من أولئك الأشخاص الذين نحبهم ولا شيء غيرهم»، هؤلاء الذين أحببناهم ولا زالوا بيننا، أو الذين أحببناهم ورحلوا، أو الذين سنحبهم هم أحلى ما حدث لنا في سنوات عمرنا، هؤلاء الأشخاص أثْرَوْا حياتنا بالمعرفة وأناروها بالمحبة والصداقة، فأَثَّروا فينا وغيّرونا، لأن المحبة نماء ونحن ننمو بمرور الناس لا بمرور السنوات، لذلك نقول لا شيء من أعمارنا يمضي ببساطة، لذا علينا أن نتقبل كل أيامنا برضا دون أن نتمنى إسقاط يوم أو نسيان آخر، فما لم يعجبنا ربما علمنا ما لن ننساه أبداً!

لذلك ونحن نبدأ اليوم سنة جديدة ستضاف إلى سنواتنا، لنتمنى أن تكون أجمل وأكثر ثراء، وطمأنينة وأماناً لنا وللجميع، فقد تعبت البشرية من الحروب والموت اليومي وأخبار الكراهية والقتل، تعبنا من الفراق، من العنف، من جنون السياسة، ونحتاج، تحتاج البشرية كلها لهدنة، لبعض استراحة، لأيام خالية بيضاء لا تحمل أسماء مهووسين ومتطرفين ومشعلي فتن... وو، لا نريد أن ننسى شيئاً، لأن النسيان بات مطلباً مستحيلاً بعد أن أصبحت ذاكرة البشرية محفوظة وموزعة على كل الحواجز والمداخل والهواتف!!

لذلك إذا كنت تعتقد أنه بإمكانك أن تودع ما كان، وأن تنسى مواقف ومآسي وأحزان وغصات العام الذي أغلقت صفحته البارحة، ستكتشف أن الأمر يبدو صعباً بعض الشيء، وأن ممارسة ترف النسيان ليس بالبساطة التي تتوقعها.

ستكتشف أن كل ما تريد نسيانه مما كنت ذات يوم تحتفي بوجوده في حياتك أو تتوجع منه أو كنت متوجساً منه أو مبتهجاً به محفوظ في مواقع التواصل كلها، وأنه بمجرد أن تفتح عينك في أول أيام العام، ستقرأ تلك العبارات والأشعار وستسمع الأغنيات، وستقع عيناك حتماً على صور كنت قد علقتها على صفحاتك الافتراضية خلال الأعوام الماضيات، لذلك لنحاول ألا نمنح السوشال ميديا كل تفاصيلنا إن أردنا أن ننسى شيئاً في نهاية العام!

Email