إيران وتركيا.. ونحن

ت + ت - الحجم الطبيعي

يفترض أن تكون إيران وتركيا هما العمق الإقليمي والإسلامي الأكثر قرباً من الوطن العربي عامة وأقطار الخليج العربي خاصة، إن بحكم الجغرافيا أو التاريخ أو العقيدة. ولكننا كعرب نقف بين هاتين الدولتين في محل الاستهداف، ولكل منهما أسبابه ونوازعه التاريخية وأطماعه السياسية.

فكلا الدولتين تصر على أن تتعامل مع بلاد العرب من موقع الكبير الذي يملي شروطه ويقدم مصالحه ويتجاهل مصالح ومقدرات ورصيد الطرف العربي في معادلة الأوضاع الإقليمية والعالمية.

إيران مبتلاة بمرض التاريخ، ومسكونة بروح الانتقام ممن تعتقد أنهم دمروا امبراطوريتها الوثنية وبعثروا هيبتها الكاذبة وغيروا ثقافتها.

وعندما لم تجد سبيلاً في استعادة ذلك المجد الفاني وإحياء الإمبراطورية الفارسية من وراء عرش الطاووس وتسويق العرق الآري واصطناع هيبة الأسد، غيرت المسار باستخدام ورقة الدين، وخطف مفهوم المقاومة، واختراع مصطلح الممانعة، أملاً في اختراق المجتمعات العربية، ونخر نسيجها الاجتماعي، ثم إشعال الفتن بين مكوناتها تمهيداً لإسقاطها في براثن النفوذ الإيراني من دون تجهيز حملات عسكرية صريحة لم تزل طهران تفتقد أدواتها وتعدم الشجاعة على تنفيذها.

وقد كان لطهران ما أرادت في الكثير من المجتمعات العربية الهشة بحكم الاستبداد والفساد.

وظنت إيران بأنها من خلال إسقاط بعض الدول العربية الفاعلة والمحيطة بدول الخليج العربية تكون قد أحكمت الحصار، لتبدأ مرحلة إملاء الشروط وفرض الهيمنة وفرض النمط الطائفي والشعوبي الذي تفرضه على الشعوب الإيرانية ليكون أنموذجاً لإعادة إحياء إمبراطوريتها المزعومة.

ولكن إيران المعممة لم تختلف عن فارس الوثنية فشلت مرة أخرى في قراءة وفهم قدرات وعزائم جيرانها. أما تركيا، الجمهورية الحديثة، فيبدو أنها لم تستطع أن تتخلص من إرثها التاريخي في البلاد العربية.

وعلى اختلاف من إيران، تبدو أنقرة في حيرة بين الأيديولوجيا والمصالح، وبين الماضي، الذي أعطاها ميزة الهيمنة تحت غطاء الخلافة، والحاضر الذي وجدت فيه من تبعات خراب ما يسمى بالربيع العربي فرصة للعودة بصفة الراعي الكبير. ولكن هذا الازدواج في مكونات الموقف التركي جعله مرتبكاً وغير قادر مرة أخرى على فهم الواقع العربي، وإحراز أي تقدم لاستعادة تلك الصورة الزاهية من التاريخ.

وقد بلغ التخبط مداه من خلال العرض الذي تقدمت به أنقرة لإقامة قواعد عسكرية لها في كافة أقطار الخليج العربي لتقديم نوعاً من التوازن في موقفها المائل لتسويغ مبادرتها للتوسط فيما يسمى بالقضية القطرية، وذلك بعد أن أرسلت جنودها إلى الدوحة في رسالة واضحة بالانحياز الذي أبطل المبادرة قبل أن تبدأ.

 

Email