الشباب والحاجة للقيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

مهما كانت عظمة ومكانة الأمم ومهما كان تاريخها مشرقاً ويدعو للفخر، إلا أنه يبقى تاريخاً ماضياً، فالناس تعيش في الحاضر استعداداً للمستقبل، هؤلاء الناس يأخذون تدريجياً في نسيان الكثير مما تربى عليه أهلهم، ينسون عاداتهم وقيمهم ويندمجون في سيرورة حياة مغايرة تماماً عما كان عليه أسلافهم.

هذا يحصل في كل مكان في الدنيا، شيء واحد يحفظ الأمم والشعوب من الانهيار والتلاشي، إنها القيم، فمنظومة القيم والأخلاق ليست مظهراً من مظاهر الترف أو الزينة الحضارية، فالأمم لا تؤسس قيمها وتتمسك بها وتعلي شأنها وتعتبرها مرجعيتها الكبرى من قبيل استكمال الشكل السياسي للدولة أو للمجتمع، ولكن لأن منظومة القيم تشبه فصيلة الدم أو الهوية التعريفية التي تدل على المجتمع، وتميزه وتجمع مختلف أطيافه وتوحد تعددهم، والأهم أنها تعمل على تماسكهم وقت الشدة والحاجة أكثر مما تفعل وقت الرخاء، من هنا يفعل الآباء والأمهات والمدارس ما في وسعهم من جهد لغرس القيم ومقومات السلوك السوي في نفوس الأبناء، معتبرين أنهم بذلك يمنحونهم «جواز عبور قيم»، لا يقل أهمية عن الشهادة العلمية.

إن هذه الأصوات الشاذة التي تحاول إعلاء قيم ليست من أصل هذا المجتمع، ولم يحدث أن ظهرت في أي جيل من أجياله السابقة، تحت مبررات التطور والمدنية والتحضر والحريات الشخصية، لم تقد الجيل الجديد من الفتيات والشباب إلا لطرق مسدودة وبائسة، فلا حرية شخصية مع الانحراف والتحلل، ولا تحضر في ظل الفوضى والاستهتار وعدم المبالاة بالأخلاق والدين، ولا مدنية مع هذه الدرجة من الميوعة وعدم تحمل المسؤولية، والاتكاء على مكانة العائلة وثروة الوالد، هذه ليست قيماً يعتد بها أو يمكن من خلالها تكوين أفراد يمكن أن يحموا هذا الوطن ويحافظوا على منجزاته، وجزى الله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لإطلاقه ورعايته مادة «التربية الأخلاقية» لطلاب مدارس الإمارات، فالإمارات وشبابها اليوم في أمس الحاجة لهكذا مبادرات حكيمة وتربوية.

 

Email