توقف.. أنت لا تعرف نفسك

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المعروف على نطاق واسع أن هناك حقيقة مسلم بها لدى معظم الناس وهي أنهم أعرف الناس بأنفسهم، وأنهم الأكثر قدرة حكماً على الأمور التي تخصهم بل ومعرفة بمصلحتهم، هذا الكلام فيه بعض الصحة، لكنه ليس على نطاق واسع، كما لا يمكن التسليم به بشكل مطلق والسبب بسيط جداً. فالإنسان يمكن أن يكتسب أساليب في التعامل مع الآخرين ويمارسها فعلاً وهو يظن أنها أساليب جيدة وفعالة، ولكنه يفاجأ تماماً مع أول نقد يوجه له، أو في أول صدام بسبب طريقة تعامله. فتجده يدافع عن نفسه بأنه يعرف كيف يتعامل ويتعاطى مع الآخرين وليس صغيراً يحتاج للتعلم. هذه مشكلة تحدث دوماً في المنزل، في المدرسة، في العمل، في الشارع وفي كل مكان تقريباً، وإن كانت بأشكال مختلفة وأحداث متنوعة كلياً، ولكن سوء الفهم دوماً يتلبس تصرفاتنا.. لماذا؟ لأننا عندما أصدرنا الفعل نعرف داخل أنفسنا أنه صادر بسلامة نية، ولكن الشخص الآخر لم يطلع على دواخل أنفسنا ليعرف أننا ذوي نية طيبة، والفعل الذي وصله كان قاصراً أو غير واضح تماماً أو عجز عن التعبير عن مقصدنا بالضبط، لذا تأتي ردة الفعل عنيفة على قلوبنا وعقولنا، ونفاجأ بهذا الرد ونعتبرها قلة احترام ولم تتواكب مع تسامحنا وطيبتنا، وهنا تقع المشكلة التي تبدأ بالتلاسن وقد تمتد لتصل لعراك بالأيدي. فما الذي حدث؟ كما قلت منذ البداية الذي حدث هو جهلنا فعلاً بأنفسنا وكيف نقدم أفعالنا وتصرفاتنا للآخرين، وهل تتناسب مع الموضوع أو الحدث الذي بين أيدينا.

وجدت عالمة النفس الأمريكية في قسم الفنون والعلوم في جامعة واشنطن سيمايني فازير، أن الإنسان ليس الأكثر علماً بذاته، وأن الفرد يكون أكثر دقة في تقييم ذاته الداخلية، وأنه من المهم أن يتم التشكيك في الاعتقاد السائد بأننا الخبراء الأفضل لأنفسنا، فالشخصية ليست ما تعتقد بأنك عليه، بل ما أنت عليه فعلاً، وتقول: إن شخصية المرء تنتشر في الكثير من الأشياء حوله، مثل اختيار الملابس، تصميم غرفة النوم، والمواقع التي يقوم بزيارتها، وملفه التعريفي عن نفسه في «الفيس بوك»، وغيرها، فالمرء يترك آثاراً غير متعمدة عن ذاته، ويعطي تلميحات عن شخصيته قد لا يراها هو أو يشعر بوجودها فيه. وتقول أيضاً: لقد استطعت من خلال هذه الدراسة أن أكشف عن إثباتات كثيرة تجعل الآخرين يفكرون أكثر من مرة حيال ما يرونه في أنفسهم وفي الآخرين. في الحقيقة أجدني اتفق مع هذه العالمة الأمريكية، ومع ما وصلت له من نتائج في دراستها البحثية العلمية، وسبب هذا الاتفاق بسيط جداً وهو أننا نشاهد يومياً نتائج الثقة المفرطة بتصرفاتنا واعتقادنا الجازم بصحة أفعالنا، وأننا نعرف أنفسنا، والحقيقة أننا لا نعرفها ويجب أن نتوقف.

Email