أمريكا تتنحى عن قمة العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

فترات الانتقال والتحول هي أصعب الفترات في حياة الأمم، وكذلك في حياة النظم بما فيها النظام الدولي في مجمله، العالم يجتاز مرحلة يبدو فيها وكأنه بلا رأس، فأحلام الحالمين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بأمم متحدة بحق تصون الحقوق على نحو مجرد عن الغرض، وتطبق قواعد القانون الدولي بحق الجميع، قد تبددت مبكرًا جدًا، بفضل قاعدة الفيتو التي منحت تفويضًا لأي من الدول الكبرى الخمس، بشل الأمم المتحدة، وسببت إعاقة دائمة لمجلس الأمن الدولي فلم يعد منحازًا للأمن المجرد ولا للدول صاحبة الحق صغيرها قبل كبيرها.

الآن وفيما يستمر شلل الفيتو داخل مجلس الأمن، يدخل معه على الخط تنحي القوة العظمى الوحيدة عن بعض أدوارها الأساسية، ربما لدعاوى وأسباب حقيقية يتصل بعضها بمشكلات عصفت بالاقتصاد الأمريكي إثر حربين في أفغانستان والعراق بلغت كلفتهما نحو ثلاثة تريليونات دولار، ويتصل بعضها الآخر بميل لدى الأمريكي العادي للانكفاء على الذات، طالما كانت نتائج اشتباك أمريكا مع قضايا العالم، سلبية بالنسبة لقطاع واسع من الأمريكيين.

 أمريكا التي تتنحى رويدًا.. رويدًا عن احتكار قمة القرار الدولي، هي التي أعلن رئيسها في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام، أنها ستسعى عبر التفاوض وعبر التواصل مع حلفائها إلى مواجهة القضايا الدولية الساخنة، أما عما يستوجب استخدام واشنطن للقوة في مواجهة أزمات دولية عاصفة، فقد أوضح الرئيس أوباما أن ذلك لن يحدث ما لم تتعرض أمريكا لتهديد مباشر، أو يتعرض حلفاؤها لعدوان حقيقي، باستثناء هاتين الحالتين، سوف تكتفي واشنطن بالتلويح بالقوة، وبالضغوط الدبلوماسية والاقتصادية.

في مواجهة الطموح النووي الايراني، لا يبدو أن أمريكا تضع استخدام القوة بين خياراتها الحقيقية، فأوباما يتحدث عن حالة واحدة قد يبحث فيها الخيار العسكري، وهي حال امتلاك إيران لسلاح نووي أو حال اعتزامها ذلك بوضوح، أما امتلاكها لقدرات نووية قابلة للترجمة إلى قنابل خلال بضعة أسابيع، فمسألة لا تثير قلق أوباما، وإن كانت بالطبع تحتل مركز القلق في منطقتنا.
 

Email