عربياً.. التاريخ يعيد نفسه!

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه الأمة المأزومة بحالها وحدها من يعيد التاريخ نفسه في قضاياها، ففي ستينات القرن الماضي تحاربت مدن العراق بعد انقلاب عبدالكريم قاسم بين الشيوعيين والقوميين والبعثين، نيابة عن السوفييت والغرب، وحارب شيعة العراق زمن صدام شيعة إيران، وحالياً يقاتل في صفوف المالكي، سنة مع الشيعة ضد السنة، وشيعة مع السنة ضدهم، وفي سوريا سنة وعلويون، يقاتلون السنة العرب والأكراد وبقية الأطياف الأخرى تضامناً مع الأسد، وعلويون مع الجيش الحر، والبلدان في حال تمزق قد يغير من طبيعة الجغرافيا والسكان في البلدين..

في لبنان الكل حارب مع وضد الفلسطينيين، والشيعة والسنة والمسيحيين بطوائفهم، والعملية قابلة للإعادة بسبب الأوضاع السورية والداخلية وفي الأردن، كاد الفلسطينيون بمنظمة ايلول الأسود أن يخلقوا حرباً أهلية لو لا أن الجيش الأردني حسم القضية لصالحه، وعاشت اليمن ظروف حرب أهلية تداخلت فيها الأحزاب اليسارية مع القبائل والطوائف، ودمرت كل شيء بدعم سوفيتي لأنصاره، وغربي وعربي ضد الشيوعيين..

بعد سنوات من ثورة المليون شهيد التي سجلت اسطورة النضال المبهر لذلك الشعب، انتصر التيار الإسلامي في الانتخابات، لكن الجيش غير البوصلة بأبعادهم، ولكنهم خرجوا مع المسرح السياسي للتحصن بالمواقع الحساسة وبدأوا حرباً مولتها عناصر داخلية وخارجية وكادت تعصف بوحدة البلد كله لولا أن طرفي المواجهات عجزا عن الحسم فآثرا الحوار ثم المصالحة..

الحديث عن الصومال مشكل كبير، لأن جميع الفرقاء دخلوا الحرب وأبعدوا القوات الأمريكية بسحل عناصرها، ولم تتوقف بشكل حاسم حتى اليوم فصارت كل نزاعات تجري بين الفرقاء العرب يخشون «صوملة» أوضاعهم..

سلسلة طويلة قد لا تنتهي، وهي نتيجة تراكم أحداث قتلت كل شيء في نفس المواطن وجعلته غريباً على أرضه، أي لا يتمتع بأهلية الإنسان كامل الحقوق، وقد سقطت كل المبررات عندما جيرت دخول دول عربية عديدة للتجييش على حساب المدرسة والخبز والتنمية، لتحتكر فئة واحدة كل السلطات وترى نفسها مخولة، نيابة، عن الشعب أن تفتي وتتخذ القرارات الكبرى من الحرب إلى التأميم إلى القمع لأي معارض، فتوقفت التنمية وبقيت البنوك والمصانع والصحافة احتكاراً لرأسمالية الدولة، وهنا جاء رد الفعل بربيع حاد قلب كل الأشياء، لكنه لم يكن التعويض عن الحكومات المطاح بها، لأنه ذهب إلى عنصر إسلامي واحد يحكم بلا تجربة أو منهج، حتى جفت موارد تلك الدول، وأصبحت الأزمة الاقتصادية قوة الضغط والامتحان لتلك الدول، ومعها ضاع الأمن، وهيبة الدولة، ولا تزال الصورة معتمة حتى المتفائلين ممن زحفوا على الميادين، تغيرت نظرتهم إلى السلبية وهو معيار، مخيف لامتحان قد يسقط فيه الجميع.

 

Email