ما ننتظره من اليابان.. وما تطلبه منا..

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن عيباً أن تغيب اليابان عن المسرح السياسي العالمي، ومنه العربي، فقد اكتوت في مأساة الحرب العالمية الثانية كأكبر خاسر بها، وآثرت أن تخطط لبديل لتستطيع به غزو العالم، وبالفعل فقد قفزت صناعياً، واقتصادياً لتكون دولة رائدة تغزو مواقع التجارة الكبرى في العالم في سلعها المتقدمة، وتنقل مصانعها للعمق الأمريكي والأوروبي ثم الآسيوي..

علاقات الجزيرة العربية مع اليابان بدأت مع وصول أول حاج وصل أرض مكة المكرمة عام ١٩٠٩م لأداء فريضته، وتطورت مع الأيام والسنين لتتوج بأهم شريك تجاري وصناعي مع الدول الرئيسية في العالم التي تبادلت مع المملكة العديد من النشاطات، واليابان بالمعنى العملي الدولة الأولى التي قادت آسيا لأغنى تجربة تمثلت في صرامة الأداء وإتقانه، ونشر ثقافة العمل والبحث العلمي، واستثمار الوقت منذ الحضانة وحتى الشيخوخة لشعبها..

لدينا في اليابان خمس مئة طالب هم نواة لجيل جديد يستفيد من تجاربها العلمية والثقافية والاجتماعية، وسوقنا ناشئ يريد تنمية صناعاته وتجارته، وفتح المجال أمام الاستثمارات المشتركة في الطاقة البديلة كمشروع يهم البلدين والعالم، وهناك احتياجنا من السكك الحديدية والتي تعتبر اليابان رائدة بها..

زيارة رئيس الوزراء الياباني «سينزو أبي» تأتي ضمن سلسلة من الزيارات المتبادلة، لكن قيمتها في ظرفها الراهن، والذي يشهد كساداً في أوروبا وأمريكا، وأقل منها آسيا، إلا أن المملكة ودول مجلس التعاون الأقل تأثراً، بل هناك زيادات كبيرة في الموارد النفطية، واستطاعت أن تكون سوقاً جاذبة للاستثمارات والتعاون في العديد من المشاريع، وقطعاً فإن اليابان لم تغب أو تحدث قطيعة مع هذه الدول، وقد استمرت النشاطات في تزايد وتطور، وهو هدف تلتقي عليه مصالح البلدين..

بادرة إرسال يابانيين متخصصين وخبراء بما سمي «التعاون الفني مع تقاسم التكاليف» لنقل خبرة بلد يُعد في طليعة شعوب العالم ونموذجه وقيمه، وهي العملية التي تخدم المملكة واليابان معاً، بادرة مهمة وقيمتها تأتي بنتائجها في المستقبل..

اليابان عكس الغرب لم تتصادم مع المنطقة العربية بقضايا استعمار أو حروب، وحتى لو كان العازل الجغرافي سبباً، فإن دول آسيا الرئيسية عاشت حضارات مختلفة أغنت تجاربها وأعطت للعالم نماذج رائدة، وباعتبار العصر الراهن يحمل تطلعاته وقيمه، وتداخله بسبب التطورات والقفزات التي تشهدها البشرية، فإننا على نفس العلاقة مع منجز هذا العصر، ولعل إرسال البعوث لطلبتنا لكل الدول المتقدمة أساس في بناء نهضة متكاملة تتعدد فيها المدارس والتجارب والثقافات، وهي عنصر بناء العلاقات مع الشعوب والدول التي تقدم النموذج المعاصر في تبادل المعلومات، وجني المكاسب، وبالتالي ليس بالنفط وحده تأسست علاقات المملكة مع اليابان، وإنما بالمساحات المفتوحة على كل الآفاق..

 

Email