أن تجد الآن مراسلات الدبلوماسية الأميركية المسلية منها وحتى شديدة السرية، في كل مكان، لا يمكن تسميته سوى سقطة خطيرة تزيد من التكنهات بشأن تخبط الإمبراطورية المريضة.
فتسريب نحو 90 ألف وثيقة عن الحرب في أفغانستان و392 ألف وثيقة عن العراق، ومن ثم 6000 وثيقة من 251 ألفاً تنتظر الفرصة لفضحها من قبل خبير الشبكات الاسترالي جوليان أسانغ، ليس مجرد خطأ تقني يندرج تحت إطار القرصنة الحاسوبية.
وكون التقييمات الأميركية ومراسلاتها مع الحكومات والأفراد متاحة لنحو 3 ملايين موظف، فهذا بحد ذاته يثير تساؤلاً مهماً عن مدى وعي الدولة الكبرى بحساسية معلومات تخص سياستها الخارجية، والثقة الممكن أن تمنحها إلى حلفائها الذين كانوا الضحية المباشرة لهذه التسريبات.
إلصاق التهمة بخبير المعلومات في الاستخبارات برادلي مانينغ، بكونه من نقل المعلومات إلى أسانغ، الملاحق أصلاً من القضاء منذ العام 2008 لتسريبه معلومات عن عمليات تلاعب خطيرة في البنوك العالمية قبل وقوع الأزمة العالمية بستة أشهر.
كان محاولة أكثر سطحية لتهدئة المخاوف، بل وزاد من الشكوك بشأن ما إذا كان هناك صراع مكتوم داخل البيت الأبيض تسبب في التسريب، وما إذا كان المقصود مما حصل هو توجيه ضربة قاصمة للرئيس باراك أوباما نفسه!
كتابان مهمان قد يكونان مدخلاً مهماً لمحاولة فهم لماذا هذه التسريبات؟ ولماذا يقف أوباما عاجزاً عن إخراج الولايات المتحدة من انهيارها المالي والاستراتيجي؟ أو، على سبيل المثال لا الحصر، منع نتانياهو من تجميد بناء كوخ واحد مؤقتاً في مستوطنات الضفة والقدس المحتلتين؟
الكتاب الأول «أم آي 6» للبروفيسور كيث جيفري، وصدر في 21 سبتمبر الماضي، ويروي التاريخ الرسمي للاستخبارات الخارجية البريطانية.
ورغم أن الكتاب (810 صفحات) يغطي النصف الأول من القرن العشرين فقط، بدواعي الحفاظ على سرية عملاء الجهاز الذين لا يزال بعضهم على قيد الحياة، إلا أن أهمية الوثائق التي يستعرضها تكمن في روايتها عن حالة الإمبراطورية البريطانية في سني شيخوختها واللحظات الحاسمة التي مهدت لسقوطها.
ويمكن الاستنتاج ببساطة كيف أن أول الذين ضربوا وتداً في نعش المملكة المتحدة هو الصهيونية العالمية، والتي كانت في تلك الفترة من الأربعينات قد تحولت نحو التحالف مع الإمبراطورية النووية الجديدة، أميركا.
الكتاب الثاني للصحافي الأميركي بوب ودوورد «حروب أوباما» الصادر في 27 سبتمبر الماضي، والذي يكشف عن حجم الانقسامات داخل إدارة أوباما في التعامل مع الملفات العسكرية.
والمحاولات الحثيثة من قبل بقايا المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني، لحبس الرئيس داخل المكتب البيضاوي، وفي الكتاب تبين كيف أن الرئيس لم يستطع إقناع إدارته بضرورة الخروج من أفغانستان على نحو حاسم.
جاءت التسريبات لتغطي أيضاً على مذكرات بوش الابن «نقاط القرار»، وحملت في كثير منها نقائض لرواية بوش عن محادثاته مع قادة رئيسين في العالم والمنطقة، كما حملت تفاصيل مشابهة أحياناً ومغايرة في أخرى لما جرى في الحرب الجورجية والعلاقة مع روسيا وأوروبا والصين.
إشارة أخيرة، كتب الصحافي ألوف بن في صحيفة «هآرتس» قبل أيام عدة، عبارات موجزة وذات مغزى عميق، حيث قال «بنيامين نتانياهو، الوحيد الذي وضع تسريبات ويكيليكس في خدمة أغراضه..
استخدم البرقيات كي يرمي مواقف أوباما في سلة المهملات، لأن أحاديث الغرف المغلقة تتوجس من الخطر الإيراني لا الإسرائيلي، ما يشدد على صحة الدعاية الإسرائيلية والتي تقول: إن الفلسطينيين غير مهمين».