بدت أزمة تشغيل هواتف بلاك بيري في دول عربية وأجنبية قررت أو تعتزم وقف خدمات الهاتف، مثل كرة ثلج متدحرجة، ظاهرها فني وجوهرها أمني وأخلاقي.فبسبب نظام التشغيل تبدو المشكلة أمنية فقط، حيث تمتاز هواتف «بلاك بيري»، التي تم تطويرها من قِبل شركة «ريسرش إن موشن» الكندية.
بقدرتها على استقبال البريد الإلكتروني دون أي تدخُّل من المستخدِم، ودون الحاجة إلى أي متطلبات أخرى، وتستخدم هذه الهواتف تكنولوجيا مشفَّرة تجعل مراقبتها صعبة جدًّا، كما تقوم بتصدير معلومات المستخدمين وبياناتهم مباشرة إلى خارج الدولة المعنية، في اتجاه الشركة المصنِّعة.
لكن الصورة تغيرت سريعا منذ إطلاق الهاتف قبل خمس سنوات تقريبا، فالجهاز الذي يبدو اليوم مثل عملاق جريح، تحول من داعم لقطاع الأعمال إلى داعم للتسلية والترفيه والأذى وإضاعة الوقت.
فمع إطلاق الهاتف قبل نحو خمس سنوات، ظهر كهاتف يخدم قطاع الأعمال بالدرجة الأولى، فهو يدعم البريد الإلكتروني بشكل كبير، كما توجد فيه تطبيقات الأوت لوك وإمكانية استخدام تطبيقات الأوفيس، والوصول إلى بيانات الشركات والرسائل الفورية والوسائط المتعددة، ومنظم للمعلومات والإنترنت، ويمكن استخدامه كهاتف محمول.
والمثير أن أكثر مستخدمي الجهاز ليسوا بحاجة لخدماته، فغالبيتهم تحت سن العشرين، ويمكن بزيارة سريعة لإحدى الجامعات مثلا، أن تعطي صورة سريعة عن سوء استخدام تلك التكنولوجيا، فالطلبة بدل تصفح كتبهم يتصفحون البلاك بيري، ويدخلون إلى غرف الدردشة بدل قاعات المحاضرات.
المشكلة كما تبدو أزمة في سوء الاستخدام مثلما هي أمنية أيضا، وهي بحاجة إلى ضوابط لا تضر بالحريات ولا بالقيم والأمن معاً. فهي مشكلة أخلاقية في وجهها الثاني، فخدمات الهاتف تتيح للمستخدم الوصول إلى أكثر من ثلاثة آلاف موقع إباحي، ويمكن تقدير حجم الضرر الاجتماعي مع ملاحظة أن غالبية مستخدمي الهاتف من المراهقين، والهاتف لا يفارق أياديهم حتى في منامهم.
في دول غربية هناك ضوابط على استخدام هذا الهاتف، فبعض الدول تمنع الموظفين الحكوميين من استخدامه خلال ساعات الدوام حفاظا على الإنتاجية، وفي ألمانيا مثلا يمنع بيعه لمن هم دون العشرين من العمر، لمضاره الصحية عليهم بسبب طول فترة الاستخدام.
كما تردد أيضا أن عددا من الدول الغربية توصلت مسبقا إلى اتفاق مع الشركة الكندية المصنعة للهاتف، يتيح لها الوصول الى نظام التشفير الخاص بالشبكة، وبالتالي يتيح لها الرقابة عليها وقت تشاء.
لكن ممانعة الشركة في توفير تلك الخدمة لدول أخرى، يثير علامات استفهام ويضعها في دائرة الاتهام باحتكار المراقبة والتحكم في البيانات، وهي التهمة التي تحاول أن تلصقها بالدول التي تفاوضها من أجل الوصول إلى اتفاق تشغيل يتيح وضع الضوابط التي تحمي حقوق كل الأطراف، وتعيد للهاتف حضوره بين أيدي المستخدمين.
ضبط الخدمة ليس تقييدا للحرية الشخصية كما يرى البعض، بل نظام وقانون، مثلما هو قانون الأحوال الشخصية وقانون الانتخابات، فلماذا يعتبر البعض توفير الخدمة وفقا لضوابط قانونية اعتداء على الحريات وتقييدا لها، ولا يعتبر قانون السير كذلك؟الذي يحدث اليوم فرصة لترويض فوضى وإزالة أذى، وليس للتخلص من البلاك بيري، بل مناسبة لاستخدامه باطمئنان يطابق المواصفات الأخلاقية والأمنية.
Nour@albayan.ae