المهاجرون العرب والخوف المتعاظم

المهاجرون العرب والخوف المتعاظم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة حالة من الهلع تعتري المواطن العربي في كافة مناطق الشتات، تستوجب التوقف عندها بكل جدية ومسؤولية. فالأمور قد وصلت إلى مستويات خطيرة، باتت خلالها الشخصية العربية مستهدفة بكافة تفاصيلها، ابتداء من تلك المرتبطة بالقيم الأخلاقية والدينية وما شابهها، وانتهاء بكل ما قد يؤشر إلى جذورها، دون استثناء لأي انتماء جغرافي.

ويبدو حسب القراءة المتأنية لما يجري، أن المفاهيم الأمنية السائدة في «العالم الحر» حالياً، قد بدأت تلقي بظلالها على الوجود العربي المهاجر بشكل عام، خصوصاً وأن المحاولات المتكررة لإيجاد صلة معيّنة بين هذا الوجود والحرب على الإرهاب، قد بلغت أوجها، وأصبحت متجذّرة حتى في الخطط الاستراتيجية الشاملة التي ترسم معالم وهوية هذا البلد أو ذاك.

بكل بساطة، لقد أصبحت الهوية العربية مرادفاً ملموساً للخطر المحتمل النابع من الإرهاب، وهو ما تعكسه الممارسة اليومية في بعض المجتمعات الجديدة، التي ألزمتها قوانينها القائمة، حتى الآن، باحتضان أمواج العرب المهاجرة.

وإن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على بدء اكتمال حالة الكراهية المخطط لها، الموجهة ضد الهوية العربية المطلوب قمعها بكل الوسائل الممكنة، لأنها لم تتمكن حتى الآن من التكامل كلياً مع المجتمعات الجديدة.

وبالتأكيد، فإن مفهوم التكامل الكلّي حسب المفهوم المتطرف الذي يُطرح، هو الذوبان كلّياً في تلك المجتمعات (أسيميلايشن)، وليس التكامل الملطّف بالمعنى المتعارف عليه (انتغرايشن).

وفي سياق متناغم مع هذه الحال، برز مؤخراً الموضوع الأمني، لا سيما ما يتعلق منه بالاستهدافات التي تتعرض لها الجاليات العربية، بهدف تجنيد أكبر عدد من أبنائها لمصلحة أجهزة الأمن في هذا البلد أو ذاك.

وعادة ما تبرّر هذه الممارسات باعتبارات أمنية مرتبطة بالأمن الداخلي، حيث تحرص الأجهزة المعنية للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تؤهلها للرد على أي خطر محتمل، أو التحسب لأية مفاجآت أمنية قد تبرز هنا أو هناك.

وقد خلق هذا الوضع عند كثيرين حالة من الخوف تمكن مقارنتها بتلك التي كانوا يعانون منها في أوطانهم الأصلية، والتي فرّوا منها أصلاً بسبب ممارسات مماثلة. لهذا، ترى هؤلاء تائهين في تفسير أولويات الانتماء الوطني، بين المفهوم المفروض عليهم حالياً، وبين ما كان مفروضاً عليهم في السابق.

لكن ما لفت انتباهي وأثارني أكثر من غيره في كل ما يجري بهذا الخصوص، هو حالة الرعب الموجودة لدى كثير من العرب المقيمين في الخارج أثناء الحديث عن الواقع القائم، خصوصاً إذا ارتبط الأمر بالوضع الأمني آنف الذكر وحالات القمع النفسي التي يتعرضون لها بين وقت وآخر.

ويرفض هؤلاء بشكل قاطع التطرق لأي تفاصيل حساسة قد تكون معروفة سلفاً، حتى لو كانت من تلك التي تصنّف في خانة «السري العلني».

ولعل ما يدعو لدق ناقوس الخطر، ليس حالة الخوف المتغلغلة في نفوس المهاجرين العاديين، والتي قد تكون مفهومة لاعتبارات كثيرة، لا مجال لذكرها في هذا السرد، بل حالة الحذر الشديد الموجودة لدى بعض من يفترض أنهم في موقع المسؤولية من خلال عملهم الدبلوماسي أو ما شابهه.

وقد يكون ذلك الحذر مطلوباً أحياناً في سياق الأداء الدبلوماسي، لكن يجب أن يتمتّع بالجرأة عندما يرتبط الأمر بحيثيات تطال الهوية العربية، أو حتى تمس الأمن القومي مباشرة، مثلما أوردنا في مقالات سابقة.

في الواقع، كلتا الحالتين تدعوان لإجراء مراجعة جدّية لما يجري، إن كان على الصعيد الشعبي العادي أم على صعيد العمل الدبلوماسي في الأماكن التي تستوجب حضوراً فاعلًا.

وإذا كان موضوع خطير مثل التغلغل الأمني، يستحق اهتماماً بارزاً وجدّياً على الصعيد الرسمي، فإن معالجة أسباب الخوف المتفشي في نفوس المواطنين العرب في المهجر، قد باتت تتطلّب نفس الاهتمام المناسب، لأن ما أصبح في الرهان حالياً هو قوّة الحضور والتأثير (وربما التأثّر أيضاً) في المجتمعات الجديدة التي قرر المواطن العربي أن يندمج فيها.

والمحاولات التي تجري لتهميش هذه الشخصية وقمعها كثيرة ومتنوعة، لا سيما في الديمقراطيات الحديثة التي تتغلغل فيها ظاهرة الخوف من الأجنبي أو ما يعرف بـ «كسينوفوبيا»، مثل تشيكيا وسلوفاكيا والمجر وغيرها، والتي هي في الأصل مجتمعات مليئة بالتعقيدات القومية المختلفة.

لكن ما بات يثير القلق الحقيقي هو المعادلة التي أُدخلت على قاموس الانتماء الوطني للوافدين، بحيث بات معيار ولائهم للوطن والمجتمع الجديدين مرهوناً بمدى تعاملهم مع الأجهزة الأمنية المختلفة، لا سيما السرية منها، والتي لا تجد حرجاً في ترجمة هذه المعادلة لكل من يرغب في الحصول على جنسية البلد المعني.

وعلى الرغم من الاعتراف بأن هذا الأمر هو حق سيادي لكل دولة، ويمكن أن تمارسه بالطريقة التي تراها مناسبة، فإن إبرازه اليوم بات ضرورياً للإشارة إلى حالة الخوف المذكورة، والتي باتت تلقي بظلالها على كافة تفاصيل الحياة العادية للشخص العربي، المؤمن من كل قلبه بضرورة أن يكون مواطناً صالحاً في مجتمعه الجديد.

في خضم هذا الواقع الجدّي، بات من المهم إيلاء اهتمام حقيقي لمسألة الضغوط الكثيرة التي يتعرض لها المهاجرون العرب في أوروبا تحديداً. وهذا مطلوب أولاً من أصحاب القرار في الدول الأم، انطلاقاً من مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه مصالح أوطانهم وأبنائها المهاجرين، الذين يشكّلون ثروة كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها.

أما إذا تعاملنا مع الأمر من موقع الحرص على الأمن القومي، فلا يمكن بالطبع إخفاء المخاطر الكثيرة التي تختزنها معادلة التكامل مع المجتمعات الجديدة وفق ما سبقت الإشارة إليه، وهذا يتطلب في الحد الأدنى مواجهة دبلوماسية جريئة، واحتضاناً صادقاً لأبناء الجاليات المنتشرين قسراً في أصقاع الأرض المختلفة.

كاتب لبناني

ezzedine@vol.cz

Email