أبعاد زيارة ميدفيدف لدمشق

أبعاد زيارة ميدفيدف لدمشق

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءت الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف إلى دمشق، في سياقات معلومة من تطور العلاقات الروسية السورية، وفي مسار الجهود التي تبذلها موسكو بشكل حثيث لإعادة بناء تموضعها السياسي في ساحة الشرق الأوسط، وهي الساحة التي كانت في فترات سابقة موقعاً لعلاقات موسكو التقليدية، مع البلدان التي ربطتها معها معاهدات صداقة دائمة زمن الاتحاد السوفييتي السابق.

وتكتسي الزيارة أهميتها من أربع زوايا؛ أولها أن موسكو تريد تفعيل دورها السياسي، وتجاوز حالة الإقصاء والعزل التي مورست ضدها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. وثانيها أن موسكو تريد العودة لإحياء العلاقات الوطيدة مع الدول التي ارتبطت معها تاريخياً بعلاقات متميزة، وفي المقدمة منها سوريا.

وثالثها أن موسكو تريد تحقيق نقلة إضافية في علاقات التعاون العسكرية وغيرها مع دمشق، بعد أن تم شطب كامل ديونها المستحقة، بما في ذلك الديون العسكرية. ورابعها أن موسكو تريد تحقيق نقلة متميزة في علاقاتها الاقتصادية مع سوريا من كافة جوانبها، بما فيها استثمار النفط واستكشاف مواقعه.

ويلاحظ في هذا الصدد أن العاصمة الروسية شهدت قبل أيام عرضاً عسكرياً منقطع النظير، بمناسبة الذكرى الخامسة والستين للانتصار على الفاشية وحلفائها، في حرب يذكرها التاريخ على أنها الحرب الوطنية الكبرى (1941-1945) التي خاضها الشعب الروسي وغيره من الشعوب المنضوية تحت لواء اتحاد الجمهوريات السوفييتية.

وقد ظهرت في هذا العرض تقنيات عسكرية استلمها الجيش الروسي في الفترة من عام 2007 إلى 2009، ولم تظهر قبل ذلك في الاستعراضات العسكرية التي عاودت روسيا تنظيمها بمشاركة الآليات العسكرية في عام 2008، وهي الصاروخ الحربي بعيد المدى «توبول ـ م» الذي يطلقه القاذف المتحرك ذو العجلات، والطائرتان المروحيتان العسكريتان «مي ـ28» و«كا ـ52»، وراجمة النار «بوراتينو».

وعليه، جاءت زيارة ميدفيدف لدمشق، في ظل مناخات واضحة من الإصرار الروسي على العودة لساحة الفعل والتأثير، ورافقها إرسال إشارات قوية مفادها أن روسيا حاضرة بقوة ولا يمكن تجاهلها، فكان الاستعراض العسكري الذي سبق زيارة ميدفيدف لدمشق إشارة إضافية بهذا المعنى.

وانطلاقاً من ذلك، لم يكن مفاجئاً تواتر وقوع التطورات الملحوظة في المواقف الروسية في السنوات الأخيرة، بشأن فلسطين والعراق ورفض الضغوط الأمريكية المتواصلة على سوريا.

فقد انطلقت موسكو وما زالت في حساباتها السياسية، في محاولات حثيثة لإعادة حضورها في المنطقة، وإعادة إحياء تحالفاتها التقليدية، بعد أن باتت قادرة على الانطلاق مجدداً، تبحث عن دورها الضائع منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

وانطلاقاً من تلك المعطيات، تميزت مواقفها في اجتماعات اللجنة الرباعية الدولية المعنية بمتابعة الملف الشرق أوسطي، وزادت من منسوب التمايز بالاتصال المباشر مع حركة حماس، وترتيب أكثر من زيارة لرئيس مكتبها السياسي خالد مشعل على رأس وفد موسع من قيادة الحركة للعاصمة الروسية موسكو.

إضافة لتواتر الأنباء المختلفة عن صفقات السلاح المتطور إلى سوريا، فضلاً عن تمايز الموقف الروسي بشأن العراق عن التورط الأمريكي الكبير في ما أسمته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت بـ «كارثة العراق».

ومن هنا، فإن من دلالات التمايز التي تحاول موسكو تظهيرها أمام الولايات المتحدة والغرب الأوروبي، انفتاحها على حركة حماس من أوسع الأبواب، ورفضها لحالة الخنوع والتبعية التي يبديها بعض دول أوروبا الغربية بالنسبة للحوار مع حركة حماس، والتي تتكلم في الكواليس السرية بلغة مغايرة لما تمارسه علنا بالنسبة لنظرتها إلى حركة حماس وعموم قوى المقاومة في فلسطين، لتلتحق بالموقف الأمريكي بشكل أعمى.

وفي هذا المجال، تشير المعلومات المؤكدة إلى أن لقاء عقد بين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والموفد الروسي للمنطقة الكسندر سلطانوف، في مقر خالد مشعل في دمشق بحضور عدد من قيادات حماس بمن فيهم بعض قيادييها في قطاع غزة، ومن الجانب الروسي حضر السفير في دمشق.

وعلم أن سلطانوف أعاد تأكيد ما كان قد كرره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من أن روسيا تعترف بحركة حماس كحركة تحرر وطني، ولا تصنفها على الإطلاق كمنظمة إرهابية، وأنها لو كانت تصنفها كذلك لما التقت معها.

ومن هنا، جاء تواصل وزير الخارجية الروسي لافروف مع قيادة حماس ورئيس مكتبها السياسي، في سياق مدروس أرادت من خلاله قيادة الكرملين تحقيق جملة من الانجازات السياسية الخارجية، والانتقال من صفوف المتفرجين على الحدث، إلى صف العاملين.

والمقررين في الشأن الدولي والقضايا الكبرى الساخنة في العالم، بعد سنوات من التهميش والتجاهل الأمريكي، والعبث الخارجي بأوضاعها الداخلية في مناطق جمهوريات الحكم الذاتي في منطقة القفقاس، والزنار المحيط بها عند تخوم جمهوريات آسيا السوفييتية السابقة (أذربيجان، قرغيزيا، تركمانستان، أوزبكستان، طاجكستان).

وفي هذا السياق، يجمع المراقبون والمتابعون على أن أكثر ما يخيف الإدارة الأمريكية مما جرى مؤخراً، يتلخص في الدور الصيني القادم والمتعاظم، وكذلك التقارب الصيني الروسي الذي بات عاملاً مقلقاً للإدارة الأمريكية ومصادر القرار فيها.

وانطلاقاً من المعطى إياه، وعلى ضوء توسع مساحات المصالح الروسية الصينية والنمو الاقتصادي المذهل في الصين، من المرجح أن تسير كل من بكين وموسكو خطوات متقدمة لإزالة الإرث السلبي السابق، وهو إرث متعدد العناوين، ومنها العنوان ذو الطابع الأيديولوجي الذي حكم العلاقات بينهما إبان المرحلة السوفييتية من تاريخ روسيا، وحل مشكلة الحدود بين منغوليا الصينية وجمهورية منغوليا المتاخمة لروسيا.

كاتب فلسطيني ـ دمشق

bdwan60@aloola.sy

Email