الوطن - سلطنة عمان

القوى النووية على المحك

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تشكل أسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها السلاح النووي من قبل ذلك الهاجس والقلق الكبيرين اللذين بدآ يطغيان على عالم السياسة الدولية، ولم يكن هناك ما يجعل حكومات دول قوى كبرى وعظمى منتجة لهذه الأسلحة المحرمة دوليًّا ترفع درجة تحسسها وتخوفها من الانتشار كما هي الحال. مع أن التاريخ قد وثق أول استخدام لهذه الأسلحة المحرمة بالوثائق والصور لجريمة إبادة بحق البشرية ترتكب من قبل قوة عظمى، ما شكل سابقة في التاريخ المعاصر في تصوير قسوة الإنسان تجاه أخيه الإنسان وظلمه.

ولعل ما يدلل على تعاظم هذا الهاجس المقلق الدعوة إلى عقد مؤتمرات دولية تناقش مسائل التسلح النووي، وترتيب اتفاقيات للحد منه ومن انتشاره، ومن بين هذه المؤتمرات مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي الذي يعقد في مدينة نيويورك الأميركية والذي بدأ أعماله أمس ويستمر نحو شهر، والذي يشير أيضًا طول مدة انعقاده إلى حجم القلق.

لا أحد يعترض على عقد مثل هذه المؤتمرات، بل بالعكس ، فهي مطلوبة من قبل دول وشعوب العالم المحبة للسلام والاستقرار الدوليين والساعية إلى توظيف إمكاناتها وعلاقاتها لتحقيق ذلك، إلا أن الجدية ووضوح الأهداف هما الجانب الأهم فيها باعتبارها مقياسًا لنجاح انعقادها وتحقق نتائجها، لا أن يكون ظاهر هذه المؤتمرات الرحمة وباطنها العذاب، بحيث تخفي أهدافًا غير سوية ولا غاية من ورائها سوى تكريس الهيمنة، ومحاصرة دول وحرمانها من حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية في شتى النواحي الإنتاجية كاستخدامها في إنتاج طاقة الكهرباء وفي مجال الزراعة والطب وغيرها من المجالات التي تخدم التطور البشري، لتبقى هذه الدول أسيرة للقوى العظمى وعبدة لها تتحكم في مصائرها أو في ابتزازها أو التفضل عليها بالفتات، وهنا تكمن القضية الأساسية في احتمال عدم نجاح مثل هذه المؤتمرات النووية وذلك لرغبة هذه القوى النووية في السيطرة على المواد الداخلة في التكنولوجيا النووية واحتكارها، واستغلالها في إنتاج أسلحة الفتك بالبشرية لبسط هيمنتها وتلبية أطماعها.

لقد كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون واضحًا حين قال في خطابه الافتتاحي للمؤتمر: إن إزالة الأسلحة النووية أمر ممكن ، ولكن جدول أعمال المنظمة الدولية بشأن نزع السلاح "يغط في نوم عميق منذ فترة طويلة"، وهي حقيقة لا غبار عليها، لكن من الذي أراد للمنظمة الدولية أن تنام بكافة مؤسساتها التابعة، وليس جدول أعمالها فقط؟ إنهم أولئك الذين يهيمنون عليها اليوم ، والذين يدعون إلى عقد المؤتمرات النووية ويرفعون زورا وبهتانا شعارات الأمن والسلم الدوليين وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، ويدعون رفضهم الديكتاتورية وظلم المرأة ومحاربة حرية التعبير والمعتقد، بينما هم أول من استخدم أسلحة الدمار الشامل، وهم من يهدد باستخدامها ضد من يسعى إلى اقتناء التكنولوجيا النووية السلمية، فهم يحللون لأنفسهم ما يشاؤون ويحرمون على غيرهم ما يشاؤون، الأمر الذي تسبب في انهيار واضح في قيم ومبادئ التعامل الإنساني والتواصل الحضاري ، وتعطيل التنمية وانتشار الفقر والجهل والحروب والأمراض ، فأصبح العالم كالبطة العرجاء.

إن القوى الكبرى والمنتجة والمالكة للسلاح النووي ستكون ـ خلال شهر؛ مدة انعقاد المؤتمر وبعد انقضاء سامره ـ في اختبار وعلى المحك ما إذا كانت صادقة في تخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل والحد من انتشارها أم لا، وليس جعل المؤتمر قبة يتبارى فيها النوويون في عرض حوائزهم من الأسلحة النووية والجرثومية وعدد الرؤوس المخزنة والمعدة للانطلاق وعدد القاذفات ، بل ينبغي اتخاذ خطوات عملية تؤدي إلى إنجاح المؤتمر ، ومن بين هذه الخطوات التبني الحقيقي والتنفيذ الرصين لخطة الأمين العام للأمم المتحدة والمكونة من خمس نقاط والتي اقترحها لإنجاح مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي ، بما في ذلك مطالبة القوى النووية في العالم، بأن تتعهد بوضوح "لا لبس فيه" بإزالة ترسانتها من الرؤوس النووية. ويذكر أن هناك حوالي 23 الف رأس نووي في ترسانات الدول النووية الكبرى الخمس، ودول أخرى لديها قدرات نووية.

ومن بين هذه الخطوات أيضًا إلزام الكيان الإسرائيلي بالتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي وفتح منشآته النووية أمام التفتيش الدولي التي تشكل تهديدًا حقيقيًّا لشعوب المنطقة جراء التخلص من المواد المشعة التي يقوم الإسرائيليون بدفنها في الأراضي الفلسطينية والعربية وتلويث مصادر المياه، فضلًا عن مخاطر حدوث انفجار في أحد المفاعلات الإسرائيلية على غرار انفجار مفاعل تشيرنوبل.

Email