ماذا فعلتم بفلسطين؟

ماذا فعلتم بفلسطين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما تحل ذكرى ـ وما أكثرها ـ بالشعب الفلسطيني، ومعظمها أليمة، مزخرفة بدماء الشهداء، تعج بفسيفساء من الكوارث، والنكبات، والنكسات، أتأمل ما آلت إليه أوضاعه، وأتساءل والدمع في العين، والحرقة في القلب: ألهذا الحد من المهانة وصلنا رغم عشرات السنين من الكفاح، والنضال، والتضحيات، والقهر، والحرمان، والإذلال، وعذابات الاحتلال؟ ولماذا وصلنا لهذا الحد؟

ولماذا لم يتحقق لنا النصر على كيان ثبت أنه أوهى من بيت العنكبوت؟ وهل سيأتي النصر، ومتى؟ مع أن مجمل الأحداث والوقائع يقول إنه ما زال بعيداً... بعيداً!

أسئلة كثيرة، مغمسة بالمرارة، بحثت عن إجابات شافية لها بعدما ألحت عليَ وبشكل مستفز.. لا أقول ذلك من باب اليأس، أو التيئيس، أو القنوط، أو العجز، أو التحريض على فقدان الأمل، حيث لا مجال للتشاؤم، فنحن قوم لا نلطم الخدود، ولا نشق الجيوب، وسنبقى متفائلين بدرجة «خمس نجوم».

أو كما يحلو للبعض أن يلفظوها «فايف ستارز»، سيبقى الأمل بالله أولاً وأخيراً، ومن ثم بقناعات ونضالات شعبنا، لكننا ـ في الوقت ذاته ـ لا يمكننا التعامي عن واقع مؤلم ومعقد، والتعامل معه بمنطق النعامة التي تدفن رأسها في الرمال وعورتها مكشوفة، وانطلاقاً من معطيات ووقائع وسياسات واستراتيجيات ومتابعات، وقناعات عديدة، بعضها فلسطيني المنشأ، والبعض الآخر يتعلق بواقع الأمة كأمة مضاعة مهانة، داست فوقها ماشية اليهود، على حد تعبير شاعرنا الكبير محمد الفيتوري.

من هنا كان لا بد من طرح السؤال، وهو استنكاري: ماذا فعلتم بفلسطين؟ سؤال له مبرراته، ودوافعه التي لا عد لها ولا حصر من ظواهر سلبية تؤخر النصر، تؤجله، لكنها لا تلغيه، قد تجعله بعيد المنال، وربما ترحله لأجيال قادمة، لكنها لا تعني بحال من الأحوال استحالته.

والسؤال المشروع أيضاً: أي ذنب اقترفه الفلسطيني حتى يعود في الربع الأخير من عام 2008 لاستخدام «وابور الكاز» في غزة هاشم؟، وأية جريمة ارتكبها لتتم إعادته قرناً كاملاً للوراء؟! ومن يدري، فربما كان القصد إعادته للعصر الحجري الأول! ثم من المسؤول؟ والأخطر أن ما يحدث لم يحرك في الأمة ساكناً، لم يرف لها جفن، لم ترق لها أفئدة، ولم تحمر لها خدودنا خجلاً، وكأن اللون الأحمر فقد من الأسواق!

البعض يرى أن النصر تأخر بسبب إدارتنا للمعارك بجهل وارتجالية، دون تخطيط أو رؤية مستقبلية، وهذا صحيح! والبعض الآخر يرى أن الأمة كانت تركب رأسها وتمارس العناد في خصامها ومعاركها الداخلية، وبغباء مركب في مواجهة الأحداث، وهذا أيضاً صحيح!!

والبعض يرى أنه عندما قزمت القضية الفلسطينية، وهي قضية حضارية عربية وإسلامية، وهللنا «بغباء» و«كالببغاء» لتكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني (وأضع تحت «الوحيد» ملايين الخطوط الحمراء)، بدأت مرحلة من الفشل والضياع، وإفراغ القضية من مضمونها وسياقها الحضاري والتاريخي.

فمنذ نعومة أظفارنا كنا نسمع أحاديث الآباء والأجداد عن ضرورة تحرير حيفا ويافا، وعكا، واللد، والرملة، وعن حق العودة لأرض فلسطين التاريخية التي نهبت عام 48، ثم بدأنا نسمع سيمفونية العودة لحدود الرابع من يونيو 67 وتطبيق القرار 242، ولم يعد أحد يذكر قرارات العودة، إلا خجلاً أو تلميحاً!

تخبط وارتجالية انعكسا سلباً على مجمل القضية، فتراجعت الأدوار، وترهلت القيادات، وانسدت آفاق الحلول، وعندما استعدنا ذكرى مرور ستين عاماً على النكبة، كان الواقع مليئاً بالمخازي والانهيارات والفشل الذريع، لأننا كنا ما زلنا نبحث عن «منعطفات تاريخية» لم نتمكن من اجتيازها بعد عقود من الصراع، لم «نتجاوز» خلالها «إشارة»، لم نتفاد «مطباً»، لم «نتحرك» متراً واحداً للأمام. ولم نحاول، ولو من باب المغامرة، النزول إلى «مضمار التحدي بمنطق حضاري»، لا بمفهوم «مخاتيري» (نسبة للمخاتير).

ستون عاماً لم نسترجع خلالها شبراً من الأرض، لم نستطع إيقاف جرافة عن هدم منزل أو تجريف أرض، أو اقتلاع شجرة زيتون، أو إيواء عائلة مقدسية شردها الاحتلال بعد هدم منزلها، بغية تفريغ القدس من ساكنيها العرب..

كاتب وإعلامي فلسطيني

tahboub_6@hotmail.com

Email