صدمة لأميركا وصفقة لروسيا فلاديمير سادافوي

صدمة لأميركا وصفقة لروسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

مازالت ردود فعل الاتفاق الذي وقعته روسيا وأوكرانيا في العشرين من أبريل حول تمديد بقاء الأسطول الروسي في سيفاستوبل على البحر الأسود حتى منتصف القرن تتردد أصداؤه على الساحة الدولية وداخل روسيا وأوكرانيا، وقد شاهدنا الصدامات القوية داخل البرلمان الأوكراني بين المعارضين والمؤيدين للاتفاق، والتي وصلت لحد المضاربات واستخدام البيض والقنابل المسيلة للدموع.

بينما جرت الأمور في البرلمان الروسي بهدوء يشوبه القلق من الإسراف في المقابل الذي تعطيه روسيا لأوكرانيا، بينما واقع الأمر أن ما بين روسيا وأوكرانيا من روابط تجعل شعبيهما يشعران أنهما شعب واحد، لأنهما واقعيا وتاريخيا بالفعل شعب واحد، يفرض على نظامي الحكم في البلدين أن يقدما كل ما في استطاعتهما لكي تبقى العلاقات بين البلدين كما كانت دائما.

تشكل أوكرانيا بالنسبة لروسيا أهمية بالغة أكثر من أية دولة أخرى، خاصة وأن البلدين تاريخيا كانتا أمة واحدة في وطن واحد، إلا أن أهميتها الإستراتيجية بالنسبة لروسيا الآن تفوق كل شيء، خاصة وأن الغرب وحلف شمال الأطلسي يولون أوكرانيا أهمية خاصة.

وقد كتب عنها مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق زيبجينو بيرجنسكي في كتابه «رقعة الشطرنج العظمى» عام 1997 قائلا «إذا عادت أوكرانيا تحت النفوذ الروسي فلنعتبر أن الاتحاد السوفييتي لم ينهار»، وتعتبر أوكرانيا المنفذ الرئيسي.

وربما الوحيد، لروسيا للمياه الدافئة، وطرد القاعدة البحرية الروسية من أوكرانيا في رأي الخبراء العسكريين يضعف من قوة الأسطول الحربي الروسي بنسبة تتعدى الخمسين في المائة.

ولهذا يعتبر الاتفاق الذي أجرته روسيا مع أوكرانيا على بقاء القاعدة حتى منتصف القرن صدمة كبيرة للغرب وصفقة تاريخية لروسيا، ولا شك أن الحالة الاقتصادية التي تعاني منها أوكرانيا الآن كانت السبب الرئيس وراء اضطرار الجانب الأوكراني لتوقيع مثل هذا الاتفاق الذي اعتبره الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش طوق الإنقاذ للاقتصاد الأوكراني من الغرق.

الآن على روسيا أن تنهض وبسرعة بالاقتصاد الأوكراني من أجل كسب ثقة ودعم وتأييد الشعب الأوكراني لتوطيد العلاقات مع روسيا ورفضه لأي تدخل غربي في أراضيه، ورفضه لانضمام بلاده لحلف شمال الأطلسي.

وقد بدا الاهتمام البالغ من جانب روسيا بهذا الأمر واضحا للغاية، فلم يكد الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش يصل إلى بلاده عائدا من موسكو بعد توقيعه الاتفاق مع الرئيس الروسي ميدفيديف حتى لحق به في كييف رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في زيارة رسمية لحضور اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين، وذلك لبلورة أسس وخطط التعاون الاقتصادي القادم بين البلدين.

وذلك بهدف الرد على احتجاجات المعارضة البرلمانية في أوكرانيا على الاتفاق، وقد أعلن بوتين في اجتماع مع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش رغبته في أن يؤتي اجتماع اللجنة المشتركة ثمارا كثيرة، قائلا «إننا مستعدون لكل شيء دفعة واحدة».

وأوضح بوتين أنه يريد أولا دمج صناعتي الطاقة النووية الروسية والأوكرانية، علما بأن روسيا تسد حاجة أوكرانيا للوقود النووي كلياً بينما تعيش الصناعة الأوكرانية بعائدات صادرات معدات توليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية إلى روسيا في الغالب.

كما أن روسيا مستعدة للدخول في تعاون مع أوكرانيا في مجال صناعة الطائرات والسفن. وكشفت الصحافة الأوكرانية أن أوكرانيا مستعدة للدخول في تعاون واسع مع روسيا في مجال الطاقة، ومن الممكن أن تسمح لروسيا أن تشاركها إنتاج أكبر منجم لليورانيوم في أوروبا يقع في أوكرانيا، وأيضا تستعين بروسيا لإكمال بناء أكبر محطة كهرونووية في أوروبا، محطة دنيستر، وإنشاء وحدتين جديدتين لتوليد الكهرباء في محطة أخرى كهرونووية.

والغريب أن هناك منتقدين للتعاون النووي الأوكراني مع روسيا، ومنهم رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة يوليا تيموشينكو التي تقول «أنهم يستعدون لتسليم صناعة الطاقة النووية الأوكرانية كلها لروسيا».

إلا أن مساعد الرئيس الأوكراني السابق لشؤون الطاقة (بوغدان سوكولوفسكي) يرى أن قطاع الطاقة النووية الأوكراني بدون التعاون مع روسيا من الممكن أن ينهار تماما، مشيرا إلى أن القطاع يعاني بشدة من أزمة تمويل تهدده بالشلل التام، ويتوقع إقامة مشاريع مشتركة مع روسيا بغض النظر عن الانتقادات والمنتقدين لأن الشعب والحكومة تريد ذلك. الاتفاق الروسي الأوكراني ليس نهاية الصراع بل بدايته، ولا يتوقع أن يسلم الغرب وحلف الناتو أوكرانيا لروسيا بهذه السهولة.

كاتب أوكراني

vladi1949@mail.ru

Email