حركة 14 آذار في ميزان التقييم

حركة 14 آذار في ميزان التقييم

ت + ت - الحجم الطبيعي

المهرجان الضخم الذي أقامته حركة 14 آذار، في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير، والكلمات التي ألقيت في المهرجان، تدفعنا إلى إجراء وقفة تقييم لمسار هذه الحركة منذ انطلاقتها قبل خمس سنوات.

لقد أنجزت حركة 14 آذار عددا من الخطوات لا تجوز الاستهانة بها، من أبرزها:

1- أطلقت نزعة لبنانية حادة دفاعا عن استقلال البلد وسيادته وحرية قراره السياسي، بعيداً عن الوصاية السورية التي مورست في حقه، من أوائل التسعينات إلى قيام اتفاق الطائف وانتخاب الرئيس إلياس سركيس رئيسا للجمهورية. لقد كانت النزعة إلى الدفاع عن خصوصية الكيان اللبناني، شأنا مسيحيا صرفا منذ الاستقلال، لكن اشتراك جميع اللبنانيين في إحياء مناسبات استشهاد القادة السياسيين، حول هذه النزعة السيادية إلى نزعة لبنانية عامة يستوي فيها المسلمون والمسيحيون.

2- وفرت انسحاب القوات السورية من لبنان عملا بالقرار 1559 ومندرجاته.

3- انتزعت قرارا دوليا بإقامة محكمة دولية للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وسائر الشهداء.

4- أعادت الاستقلال إلى القرار الذاتي للحكومة اللبنانية، ورفعت عنها الهيمنة السياسية والدبلوماسية السورية.

5- وفرت لقاء غير مسبوق تاريخيا بين أحزاب لبنانية كانت على عداء تاريخي، فأزالت حاجز العداوة بين هذه الأحزاب المتنافرة أيديولوجيا، والتي باتت تتحدث لغة سياسية واحدة محورها الدفاع عن سيادة لبنان.

لكن حركة 14 آذار فشلت في الكثير، باعتراف قادتها وفي مطلعهم النائب وليد جنبلاط الذي أعلن انفكاكه عن الحركة واستقلال حركته السياسية.

الفشل الأول تمثل في أن تكتل 14 آذار بقي تجمعا حزبيا فوقيا بين أحزاب، ولم يرتق ليشكل حركة شعبية واحدة متراصة ذات برنامج سياسي تفصيلي واضح.

الفشل الثاني، وهو الأكثر دوياً، تمثل في بقاء الكتلة الشيعية سياسياً خارج إطار حركة 14 آذار التي لم تستطع أن تجذب إليها أية مجموعة شيعية ذات وزن، فارتدت لتصبح ائتلافاً سياسيا بين السنة والدروز، وشطر من المسيحيين يمثله قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وبعد خروج وليد جنبلاط اقتصرت التحالفات السياسية بين حركة 14 آذار، على حلف بين تيار الرئيس رفيق الحريري و«القوات اللبنانية».

الفشل الثالث كان عنوانه عدم نجاح الحركة في استقطاب العماد ميشال عون إلى صفوفها، بل خروجه عليها وتشكيله قطبا سياسيا مناهضاً للحركة ومتحالفا مع حركة 8 آذار برمزيها الشيعيين: «حزب الله» و«حركة أمل».

لقد حرم العماد عون حركة 14 آذار من ادعاء تمثيل الشارع المسيحي برمته، خصوصا وأن للعماد عون تحالفا قويا مع رمز مسيحي شديد النفوذ شماليا، هو الوزير السابق سليمان فرنجية.

كما فشلت حركة 14 آذار في ضبط بعض مظاهر العداء الشعبي للمواطن السوري العامل في لبنان، والذي تعرض لعدد كبير من الممارسات شبه العنصرية، سواء من حيث الاعتداءات الجسدية أو الإقصاء من البلاد.

إلى ذلك، غاب عن حركة 14 آذار أي برنامج اقتصادي اجتماعي معيشي، فاقتصرت حركتها على شعارات سياسية راح بريقها يخبو شيئا فشيئاً.

كما لم تنجح الحركة في إذكاء شعور العداء لإسرائيل في أوساطها الشعبية، التي بقيت فاترة أو معادية للمقاومة الإسلامية. آخر مظاهر الفشل لدى حركة 14 آذار، أنها لم تنجح في صياغة شعارات سياسية جديدة لتحركها الشعبي، بعد تحقيق أهدافها الأولى الممثلة في انسحاب الجيش السوري وإقامة المحكمة الدولية، فباتت حركتها انتخابية بحتة، يغيب عنها الشعار الجامع الذي يوفر الحشد الجماهيري.

يضاف إلى كل ذلك أن الانتخابات النيابية الأخيرة، كشفت عن تصدعات وصراعات بين الأحزاب المنتمية إلى هذه الحركة، بحثا عن مقعد نيابي أو منصب وزاري.

هل تعني هذه المراجعة النقدية أن الحركة إلى انتهاء؟ من المبكر التكهن بذلك، لكن ما هو في حكم اليقين أن حركة 14 آذار تعاني مآزق حقيقية، خصوصاً بعد التداعيات السياسية في العالم العربي واتجاه العلاقة السورية ـ السعودية إلى استعادة حرارتها السابقة، كما أن خروج وليد جنبلاط من إطار الحركة وجه لها ضربة موجعة يصعب أن تبرأ منها.

وفي الأشهر الأخيرة ازدادت الأصوات السياسية والشعبية، الداعية إلى تشكيل حركة جديدة تقع في منتصف الطريق بين 8 آذار و14 آذار، وتتمحور حول رئيس الجمهورية وعدد من القيادات المتنوعة طائفيا ومذهبيا.

صحيح أن هذه الحركة لم تبصر النور بعد، لكن الصحيح أيضاً أن الانشطار التقليدي بين 8 و14 آذار، لم يعد يصلح عنوانا لمرحلة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية.

Email