الثورة - اليمن

الخسران المبين!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما من شك أن اليمن كانت في مقدمة البلدان تعرضاً لهبوب عاصفة الإرهاب، حيث مُنيت بالكثير من الأضرار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية جراء تلك الأفعال الإرهابية الدخيلة على مجتمعنا ووطننا وثقافتنا التي تتكئ على قيم التسامح والوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والتعصب والغلو بكل أشكاله وأنواعه.

ورغم الأضرار التي لحقت باليمن جراء الاستهدافات الإرهابية والتأثيرات الكبيرة التي أحاقت بالعديد من القطاعات الاقتصادية وفي مقدمتها القطاع السياحي سواء في الفترة التي سبقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية أو الفترة التي أعقبت هذه الحادثة والتي كشفت عن تمدد ظاهرة الإرهاب وتحولها إلى آفة عالمية لا دين لها ولا وطن.

فقد تمكنت اليمن من أن تقطع شوطاً كبيراً على طريق تعزيز قدراتها في مواجهة تلك الآفة الخطيرة مما كان له مفعول إيجابي في إفشال الكثير من المخططات الإجرامية لتنظيم "القاعدة" وتطويق عناصره.

ولم تكن الضربات الاستباقية الناجحة التي نفذتها الأجهزة الأمنية اليمنية في أبين وأرحب وأمانة العاصمة وشبوة ومارب، إلا تأكيداً واضحاً على أن معركتنا مع الإرهاب هي نابعة من إرادة وطنية أملتها ضرورات الدفاع عن أمننا واستقرارنا ومصالحنا العليا قبل أن تكون تنفيذاً لأجندات خارجية.

ولا يغيب عن ذهن أي متابع المدلول الحقيقي لمضمون الشراكة التي تقيمها اليمن مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، والتي يستند فيها كل جهد أو إسهام تقدمه اليمن في هذا المضمار إلى المصلحة الوطنية قبل أي شيء آخر، باعتبار أن الإرهاب صار وبالاً وشراً مستطيراً يتهدد جميع بلدان العالم دون استثناء.

الأمر الذي استوجب تنسيقاً مشتركاً بين مختلف الأطراف الاقليمية والدولية، خاصة بعد أن أيقن الجميع أنه لا يمكن لكل طرف رسم سياسته واستراتيجيته حيال ما يتعلق بمكافحة هذه الظاهرة دون تنسيق مع الآخرين ودون تعاون يسمح للجميع في مواجهة ما تنذر به آفة الإرهاب من أخطار.

ولعل مثل هذا النهج المبدئي والثابت قد أكسب اليمن تقديراً مضاعفاً من قبل أشقائه وأصدقائه الذين تنادوا للتعبير عن هذا التقدير في اجتماع لندن أواخر الشهر الفائت، حيث أعلنوا بشكل واضح وصريح عن دعمهم ومساندتهم لوحدة اليمن وأمنه وسيادته واستقلاله وكذا دعم جهود الحكومة اليمنية في مواجهة التحديات الراهنة على الصُعد التنموية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية وعملية الإصلاحات التي بدأتها في مختلف الجوانب.

وكان الطبيعي أن تُقابل تلك المساندة الدولية بارتياح كافة المكونات السياسية والحزبية اليمنية بتنوعها الفكري والحزبي والإيديولوجي والثقافي، باعتبار أن هذا النجاح هو نجاح لليمن وشعبه، ومردوداته ستنعكس بثمارها وخيرها على كافة أبناء الوطن ..

بل وكان الطبيعي أيضاً أن يحفز هذا النجاح تلك القوى الحزبية المتقوقعة على نفسها باتجاه مراجعة سياساتها وتصحيح المناهج والأساليب التي اعتادت على اتباعها وصولا إلى تقويم ذاتها والخروج من زواياها الضيقة وغرفها المغلقة، وفتح صفحة جديدة مع الوطن والسير مع شركائها الآخرين في استنهاض كل القدرات من أجل الرقي بالوطن والانتقال به إلى المستقبل الأفضل.

إلا أنه وبدلاً من ذلك فقد عملت هذه القوى الحزبية على إدارة ظهرها للحاضر والمستقبل، وفضلت البقاء مشدودة إلى الماضي والتمترس وراء تصوراتها العدمية والانقياد لنزعاتها البائسة التي تحركها الرغبات الذاتية والمطامع الشخصية والأهواء الحزبية الضيقة!!

والأسوأ من كل ذلك أن تجاهر مثل هذه القوى الحزبية بامتعاضها من ذلك النجاح الذي حققته اليمن في اجتماع لندن، لتؤكد بذلك الموقف البائس أنها من كانت تراهن على دفع الأوضاع في اليمن باتجاه التوتير والاضطراب، وتدويل قضايا اليمن الداخلية معتقدة أن ذلك سيفتح أمامها المجال لبلوغ أهدافها وتمرير مشاريعها ومراميها المريضة!!

ومثل هذا الموقف لا يمكن أن يكون منفصلاً عن ذلك الدور الذي لعبته هذه القوى السياسية والحزبية قبل اجتماع لندن، حينما عمدت إلى التماهي وتوفير الغطاء لعناصر الفتنة والتخريب في محافظة صعدة وكذا الخارجين على النظام والقانون، في بعض مديريات المحافظات الجنوبية بالتزامن مع إطلاقها للأراجيف المشككة.

والمؤسف أن هذه القوى السياسية والحزبية لم تفقه أنها بتلك الأفعال غير المسؤولة تلحق الضرر بالوطن وأبنائه وهي بافتعالها لمثل هذه الأزمات لا تشعر أنها تضر بنفسها ومستقبلها السياسي!!

وبمسئولية كاملة فإننا ندعو هذه القوى إلى الفهم الواعي بأن مراهناتها على الأزمات هو أمر لا يمكن أن يعود عليها بأية فائدة أو مصلحة، فلا تنظيم القاعدة ولا عصابة التمرد والتخريب بصعدة ولا عناصر التقطع والإجرام يمكن لها مجتمعة أن تهز من صلابة الوطن أو تنال من ثباته، فالوطن قوي بشعبه ومؤسساته الدستورية والشرعية.

وتلاحم أبنائه وستُمنى كل المغامرات والمناورات التي تحاول اللعب خارج الثوابت الوطنية وخارج العمل الديمقراطي السلمي وخارج نطاق مصلحة الوطن وخارج الحتميات التاريخية والضرورات الوطنية، بالفشل الذريع لا محالة ولن يجني أصحابها في دنياهم وآخرتهم سوى الخسران المبين.

فمن لا خير فيه لنفسه فلا خير فيه لدينه ووطنه ومجتمعه وأمته.

Email