متى نفكّر في مستقبلنا المنظور؟

متى نفكّر في مستقبلنا المنظور؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ سنوات طوال، وكل الغيارى على مستقبلنا وعلى حياة أولادنا وأحفادنا، يناشدون المسؤولين في كل من دولنا ومجتمعاتنا، إجراء التغيير والإصلاح ضمانا لما ستأتي به الأيام القادمة.

ولقد طرح موضوع الشرق الأوسط والشمال الإفريقي على مائدة مستديرة، لدى اجتماع هيئة دراسات المستقبل مع مطلع العام 2010، ووجدنا كم هو المخاض صعب ونحن نقرأ المديات المستقبلية له، على ضوء المعلومات المتاحة.

ونتأمل هول التحديات بأسى كبير!ويتساءلون عن انشغال الشعوب وتراجعها عن قدراتها وحيوياتها؟ وما الهوس الذي ينتاب المسؤولين في كل دولة ونظام سياسي؟ وما الصراعات الجديدة التي ولدت مؤخرا؟ ما الموديلات التافهة التي تعمّ كل الشباب؟ وكثيرة هي البلدان التي يعمها الفقر الآخذ في الانتشار بشكل كبير.

أما النساء، فيفتقرن إلى حقوقهن، ويحرمن من التعليم المدرسي، وتعيش نسب عالية من الأطفال بلا تربية ولا ضوابط.وما زالت مجتمعاتنا راكدة إزاء متغيرات العالم.وإذا كانت تعيش مشكلات نهايات قرن مضى ولم تجد حلولا لها.

فلقد تفاقمت اليوم مشكلات جديدة مع غياب المؤسسات المدنية، وتفاقم الاستياء الاجتماعي، وتصدير العنف، وانتشار الفساد، وحلول الانقسامات.فالمثالب والسوالب أكبر بكثير من الأعمال الصالحة.

إن منطقتنا مجتمعة أكبر من حجم الولايات المتحدة، وأكبر من حجم أوروبا أيضا.تحيط بها البحار المهمة وتزدحم بالخلجان والمدن العريقة.مواردها كبيرة إن أحسنت أساليب إنفاقها، ومجتمعاتنا حيوية وتمتلك تاريخا حضاريا مزدهرا في العالم.

كان العام 2005 قد دق جرس إنذار صاخب ببلوغ عدد سكان هذه المنطقة 386 مليونا من البشر، مع تناقص في معدلات النمو في الشمال الإفريقي، مقارنة بارتفاعها في أماكن أخرى.ويتوقع العديد من الخبراء أن سكان المنطقة العربية، سيرتفع إلى 585 مليونا في العام ,2030.

وعلى الرغم من بلوغ الدخل القومي الإجمالي 910 مليارات من الدولارات، بفعل النفط والغاز عام 2004، مع متوسط دخل للفرد 2360 من الدولارات، وأن ارتفاع أسعار النفط سيرفع الرقم إلى 1710 مليارات دولار في عام 2030.

ولكن ثمة توقعات من نوع آخر، تقول بأن الإرهاب والحروب الباردة والأهلية والخارجية، وسياسات الاحتواء، والإنفاقات العسكرية والإعلامية، وازدياد المافيات وتفاقم الفساد الإداري والسياسي والإعلامي.. الخ.

كلها ستسفر عن انخفاض في الدخل القومي الإجمالي (لقياس معايير الجودة انظر جداول وإحصائيات البنك الدولي: ٌٌٌّّّ.ٌٌُّْلقفًَ.ُْه، وبصدد بيانات إحصائيات السكان عن الأمم المتحدة: ٌٌٌّّّ.َِّ.ُْه/مَّف).

إن أغلبية مجتمعات المنطقة تتغذى على موضوعات غير واقعية وتشغل تفكيرها بتوافه الأمور، وتربي أولادها على قيم وسلوكيات لا تتفق والواقع وحياة العصر.كما أنها غير قادرة ـ كما يبدو ـ على تغيير رؤيتها للعالم، وتظهر وكأنها منفصمة الشخصية عن هذا العصر.

كما أنها غير قادرة على استيعاب مفاهيم عامة، كالحريات والتمدن والقانون والثقافة العامة.إنها تتسلح اليوم برؤية خاطئة إزاء الحياة، وتتصرف في كثير من قضايا الواقع على أساس الأحلام والاخيلة.

بل وتتغذى مع أجيال جديدة على مفاهيم خاطئة للدين والتاريخ والمستقبل والآخر.. إنها عادمة لنفسها بنفسها، نتيجة ما تضيّعه من أزمان سدى، من دون أي فعل حضاري حقيقي.

لقد حددت مشكلات المنطقة الجديدة حتى العام 2030، ومنها: الإرهاب، والتعصب، والفساد الكبير، والدكتاتوريات، والهجرات السرية، والانقسامات الاجتماعية في المجتمعات المتنوعة، مع الانتشار والتهديد للعالم.

وضمن هذا السياق، فإن حلولا جاهزة ومعلبّة أثبتت التجربة أنها لم تنفع، فمن غير المثمر المناداة بالديمقراطية لشعوب لا تعرف معناها، ولا تتمثلها إلا في صندوق انتخابي!وعليه، تستوجب الضرورة إعادة تأهيل كامل للمجتمعات على مفاهيم التغيير والإصلاح، تربويا وإعلاميا، والاستفادة من تجارب العالم ضمن هذا السياق، كما تم تنفيذه في مجتمعات أخرى نالها الخراب، ثم استعادت طبيعتها.

لقد أثبتت التجارب التاريخية، أن التدخلات الخارجية سببت كوارث لمجتمعاتنا، فكل مجتمع منها منشغل اليوم بملهاة أو مأساة، ستأخذه حتما إلى الدمار من حيث لا يشعر.

إن مجتمعاتنا الجميلة والمتنوعة، لا تستحق كل ما جرى فيها من بوهيميا الخراب، ولا تستحق ـ أيضا ـ هذه الحياة التعيسة التي تثوي فيها، وهي لم تزل منغلقة ومكبوتة وضائعة، ونخشى على مستقبلها القريب كيلا تعيش مآسي جديدة من دون أن تجد طريقا جديدا تنطلق فيه نحو المستقبل.

وأخيرا.دعوني أقول بأن الدعوات للإصلاح والتغيير، لا بد أن تبقى مهما تجاهلتها نظم الحكم، والرد القوي على من يشيع أن تلك الدعوات لم تعد تنفع.إننا لسنا هنا في معرض لتقديم وصفات علاجية سريعة، كما يفعل بعض الطارئين على المنطقة من الذين لا يدركون فحوى مشكلاتها الصعبة، ولا يفهمون طبيعة مجتمعاتها.

ولكن ليس هناك من سبيل إلا العمل على تأسيس خطوة جادة على طريق طويل، يختزل بتبديل السياسات الداخلية وتغيير المناهج الدراسية وتطوير الإعلاميات (وخصوصا المرئية منها).

وقبل هذا أو ذاك، العمل على أن يكون المشروع مشتركا بين الدولة والمجتمع، مع تجسير العلاقة بين المسؤولين والمثقفين، وتشجيع أي تجربة ناجحة تكون نقطة مضيئة وضيئة على طريق المستقبل.

مؤرخ عراقي

moc.limajlarayyas.www

Email