تشرين - سورية

بين الترغيب و الترهيب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمّة خلل لا يزال يعاني منه بعض العرب في رؤيتهم للمشروع الصهيوني الاستعماري وانعكاسات وتداعيات هذا المشروع على مجمل المنطقة.

فالتهديدات بشن حرب على سورية أو لبنان أو قطاع غزة ليست جديدة على قادة الكيان الإسرائيلي، وبالتالي فإن ردود فعل أصحاب نظرية أن المشروع الصهيوني انكفأ على نفسه وعلى ما هو عليه اليوم من مساحة في الأرض العربية، هي أيضاً ليست جديدة على الساحة السياسية، وإن كانت لا تزال غافلة عن حقيقة ومرامي الصراع العربي­ الإسرائيلي. ‏

ليس في إسرائيل اليوم من يفكر بحل لهذا الصراع، ينسجم مع التوجه الدولي العام لنزع فتيل المواجهة، ولم يكن فيها سابقاً من تعاطى مع الحل بغاية السلام، وإنما باستسلام الطرف الآخر، ولو كان عكس هذه الفرضية صحيحاً، لأقيم السلام العادل والشامل منذ انطلاق مباحثاته في مؤتمر مدريد عام 1991. ‏

وعلى هذا الأساس فإن الفرضية صحيحة، وصارت حقيقة أمام القاصي والداني، وهي أن السلام غير موجود في الفكر الصهيوني، وأنه لا أحد في إسرائيل معني بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وأن المناورات والأضاليل التي يسوقها بعض الإسرائيليين ما هي إلا محاولات لامتصاص النقمة وكسب المزيد من الوقت لتكريس الاحتلال وتأمين الظروف المناسبة للتمدد في الأرض العربية، تارة باسم الاستيطان (الضروري) وتارة باسم (الاحتياجات الأمنية)، والواقع يؤكد هذا التوجه العدواني الاستعماري، مهما حاول البعض في المجتمع الدولي تمويهه بالرفض الشكلي، وبمحاولات البحث عن الحل. ‏

وإذا عدنا إلى التهديدات الإسرائيلية لسورية بالحرب كما قال ليبرمان وقبله باراك مؤخراً ، أو إلى التلاعب بمفردات السلام واستحقاقاته مثلما فعل نتنياهو، فإن إسرائيل في الحالتين لم تخرج من جلدها، ولم تظهر غير حقيقتها العدوانية وسياستها الاستعلائية الاستعمارية، التي تقوم على تصدير الكذب وتسويق المغالطات وإشغال الرأي العام العالمي بتوقعات واحتمالات هي غير قادرة على تنفيذ أي منها. ‏

فعلى صعيد العدوان والتلويح به، فإن إسرائيل تعرف تماماً ما قدرة الردع والمقاومة لدى الطرف العربي وعلى رأسه سورية، وقد جربت حربين فاشلتين على لبنان وقطاع غزة لا تزال تداعياتهما تربك الكيان الصهيوني، وعلى صعيد السلام فإن نتنياهو الذي يقود حكومة التطرف مع ليبرمان وباراك هو نفسه الذي عطل العملية السلمية ثلاث سنوات في التسعينيات من القرن الماضي أيام ولاية الرئيس كلينتون الثانية، وهو نفسه يحاول تعطيلها الآن في ولاية الرئيس أوباما، كما أن باراك فعل الشيء نفسه وهرب من استحقاقات السلام العادل والشامل. ‏

ومن ثم فإن الحقيقة المؤكدة أن إسرائيل بكلّيتها وأياً كان رئيس حكومتها لم تعمل من أجل السلام في الماضي، كما أنها ليست بوارد السلام وتنفيذاستحقاقاته في الحاضر، وما يفترض ألا يغيب عن بال أحد أن التطاول الإسرائيلي يجد المناخ الملائم له في تفرق الأمة وتمزقها وتغاضي بعض العرب عن حقيقة المشروع الصهيوني الذي لا يزال ديدنه العدوان واستسلام العرب، وليس في قاموسه مصطلح السلام إلاّ مجرد كلمة تستخدم في الوقت المناسب للتضليل والمراوغة. ‏

Email