حركة «الوفاق» البحرينية

حركة «الوفاق» البحرينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل جمعية الوفاق إحدى أكبر التجمعات السياسية، بل أكبر الجمعيات السياسية في البحرين، ويقع جل قاعدتها الشعبية الأوسع في القرى الشيعية وفي بعض الأحياء القديمة في مدينة المنامة.

وهي تجمع مثل منذ نشأته، الانتقال المهم في مركز الثقل في الوسط الشيعي من التجار والتكنوقراط والمتعلمين تعليما عصريا، إلى المرجعيات الدينية التي دخل بعضها الحياة السياسية في سبعينات القرن الماضي.

كما أنها تمثل انتقال الثقل السياسي من مدينة المنامة وأطرافها، إلى القرى الشيعية التي باتت قياداتها ورموزها الدينية تتصدر قوى الإسلام السياسي الشيعي، ويبدو هذا واضحا في قيادة الوفاق السياسية، وفي تركيبتها البرلمانية التي لم يمثل فيها من يمكن تسميتهم بأهل المدينة، إلا خمسة من سبعة عشر نائبا يمثلون «الوفاق» في البرلمان البحريني.

ورغم أنها، أي الوفاق، ليست التنظيم الوحيد من تنظيمات الإسلام السياسي الشيعي، إلا أنها أقواها.وربما تنبع قوة الجماعة، ليس من تماسكها التنظيمي أو صلابة بنائها الأيديولوجي، وإنما من حقيقة أن قياداتها الروحية ـ الدينية، وأعني بها قيادة الشيخ عيسى قاسم والشيخ عبد الله الغريفي، تعطيها قوة على التنظيمات الشيعية الأخرى كالشيرازية وغيرها من الجماعات الصغيرة.

وقد دخلت هذه الجماعات صراعا تنافسيا في ما بينها، وحاولت وما زالت أطرافها المختلفة تحاول دعم مواقفها السياسية بالاستناد إلى فتاوى جيء بها من الخارج، كدعم لموقفها السياسي ومن أجل توظيف الشارع لتحقيق أهدافها السياسية.

وجماعة الوفاق، بخلاف جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من قوى الإسلام السياسي، لا تمثل جماعة سياسية يؤطرها بناء أيديولوجي محدد وموحد، فهي تضم داخلها عدة جماعات سياسية صغيرة.

كان بعضها منتظما أو متأثرا بأطروحات حزب الدعوة الشيعي، وبعضها الآخر بدا في أطروحاته السياسية أكثر تأثرا بجماعة حزب الله، وآخرون لم تجمعهم السياسة بقدر ما جمعتهم الطائفة ومشكلاتها وهمومها وربما صراعاتها. وهي في هذا، وإن شاطرت بعض القوى العلمانية واليسارية في مواقفها، إلا أنها أقرب إلى تمثيل الطائفة.

كما أنها من حيث مرجعياتها الدينية، أقرب للتأثر بثلاث مرجعيات شيعية رئيسية، فهي في أغلبها أقرب لاتباع أو تقليد المرجع الشيعي المعروف آية الله السستاني، خاصة في عباداتها وشعائرها الدينية، كالحج والعمرة وفي صيام وإفطار رمضان، إلا أن هواها السياسي قد يأخذها أبعد من ذلك، من حيث أنه قد يبدو متأثرا بأطروحات سياسية راديكالية.

بينما يميل بعضها الآخر أكثر في مرجعيته الدينية إلى آية الله خامنئي. وهناك من بدا متأثرا بالأطروحات الجديدة للسيد فضل الله، وإن كانت الطبيعة المحافظة للمؤسسة الدينية الشيعية في البحرين، وربما أصوليتها السياسية، تجعل من الأخذ بها على أرض الواقع أمرا غير ممكن.

فالتقاليد القديمة والشعائر وتراكمات السنين والتاريخ، تجعل من الصعب اختراق هده الأفكار، وهي مدرسة نقلية أكثر منها عقلية ولا يبدو أن بناءها الفكري والثقافي قد يسمح بعد باختراقها، من قبل أطروحات يبدو فيها ميزان العقل أكثر ترجيحا وكفة.

وقد بدا البعض في «الوفاق» متأثرا بأطروحة ولاية الفقيه، لكن البعض الآخر من الجماعة الوفاقية بدا رافضا للفكرة، وإن لم يعبر عن رفضه ذلك بالقوة التي عبر بها البعض الآخر عن نصرته لها.

ومن المهم القول إن الفكرة ذاتها، ونتيجة للرفض الذي قوبلت به في السياق السياسي الذي قد يرى في هكذا أطروحة خطرا على سلامة النظام، فقد دخل عليها قدر من التغيير بحيث لا تسبب لأتباعها أية عواقب سياسية لا يرغبون فيها.بل إن أتباع هده الأطروحة، أي ولاية الفقية، يشيرون بشكل واضح إلى أن الأخذ بها هو في إطارها الديني، ولا تعنيهم في ذلك تبعيتها السياسية.

وهذا تطور أعتقد أنه كان مهما لتجاوز مرحلة أدخلت فيها الجمعية وقياداتها السياسية والدينية في حالة من الصراع الداخلي، أي داخل الجمعية، وخارجها أي مع السياق السياسي القائم.

وأعتقد أن الفكرة ذاتها جاء عليها قدر كبير من الإعياء السياسي والثقافي، الذي دفع إلى أن يصيبها قدر من الأفول. فالفكرة ودرجة القبول بها جاءت مع كارزمية آية الله الخميني، وبالتالي فإن درجة القبول بها قد خفت نتيجة لوفاته.

ثم إن الصراع القائم بين قيادات المؤسسة الدينية حول صلاحيات الولي الفقيه، وبروز قدر من التململ السياسي الذي انعكس في التحركات السياسية المضادة، والتي تبلورت مؤخرا في الحركة الإصلاحية.

ومن قادة سياسيين ودينيين جاءوا من داخل المؤسسة الدينية ـ السياسية الحاكمة، كلها أمور قد تدفع نحو مزيد من الأفول للأطروحة ذاتها. ولنا في مقال قادم مناقشة لجانب آخر من جوانب هذه الحركة السياسية.

كاتب بحريني

drbaqer@gmail.com

Email