دوحتنا.. عاصمة لثقافة أمة

دوحتنا.. عاصمة لثقافة أمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

جميل أن تمتد شجرة الثقافة العربية يانعة تلقي بثمارها كل حين في عاصمة عربية، فتحتفي بها الاحتفاء الذي يليق بها، ويلتقي المثقفون آخذين جرعة من الانطلاق في رحاب الإبداع حاملين لواء الثقافة أولاً.. وأجمل من ذلك هو الحراك المحموم في أروقة عواصم الثقافة، بغية البحث عن الجديد الذي يتكفل بإنعاش العمل الثقافي في جميع أطيافه ومستوياته.

قبل أيام تزينت الدوحة احتفاء باختيارها عاصمة للثقافة العربية 2010، وهو تقليد مبدع من حيث انطلاق فكرته ابتداء، وهي أن تنتقل العواصم الثقافية بين الدول العربية بما يفسح المجال أمام المبدع والمثقف، لمنحه مناخات مناسبة لعرض إبداعاته وطرحها، ولتكون الثقافة وطناً ترتحل عاصمته كالفراشة بين أركانه.

ولا شك أن الثقافة تظل بمفهومها الشامل حجر الأساس الذي يجسد طبيعة الشعوب، ويحدد معالم الهوية لتتفرع طرقه عبر الزمان والمكان تفاعلاً وتأثيراً، أخذاً وعطاءً، حتى يصل الحاضر بالماضي، والأنا بالآخر، لتنبثق رؤى المستقبل.

ولقد سعت قطر منذ سنوات على طريق تأسيس الثقافة مضموناً وطابعاً وفكرة، عبر العديد من البنى الثقافية التحتية، مثل المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث الذي صدر قرار إنشائه عام 1998، والمشروع الضخم للمتحف الإسلامي الذي تم افتتاحه عام 2006، إضافة إلى مشروع المكتبة الوطنية، ومشروع متحف التصوير الضوئي، وغيرها من المشروعات الكبرى التي تخدم وتسهم في تطوير قطاع الثقافة.

وكان رديفاً لذلك ورافداً له، جملة من الحوافز والجوائز التي شكلت المحرك لانطلاق الكثير من الإبداع في هذا الميدان، ودفع عملية الحراك الثقافي نحو مزيد من التألق وتقديم الجديد المثمر في شجرة الثقافة العربية، فكانت جائزة قطر العالمية للإبداع الروائي على المستوى العالمي، ومهرجان الدوحة الثقافي حيث يتعانق تراث البادية بالحاضرة، والمحلي بالعالمي والإنساني، والأصالة مع المعاصرة، والذي يحفل بفعاليات عديدة من المحاضرات العامة والندوات، إلى المسرحيات المتنوعة، إلى المعارض المتخصصة، والفرق الفنية المختلفة من محلية وعالمية، إلى جانب الورش الفنية والمهنية.

لم يكن حفل افتتاح اختيار الدوحة عاصمة للثقافة العربية بعيداً عن هذا الفضاء التاريخي التراثي العريق، حيث عطر الحفل أوبريت «بيت الحكمة»، الذي كان رسالة منطلقة في عمق التاريخ العربي، تؤكد دور الثقافة العربية الإسلامية، وليعود بالذاكرة إلى عصر المأمون وما حمله من مكامن انفتاح الثقافة العربية على الآخر.

والنهل من معين الثقافات العالمية، لتكون مفاتيح لحركة الترجمة والتعريب، والتي حملت من بعدها آفاقاً ممتدة من أغصان الثقافة العربية والإسلامية، والذي أسس لمدينة ثقافية حالمة، اهتمت بكل شؤون العلم والعلماء، لتتحول إلى منارة ثقافية، من خلال ترجمتها لحضارات العالم، كما يبرز الأوبريت ما تزخر به الثقافة العربية من تراث وحضارة، ويسلط الضوء على أهمية تعزيز قيم العلم والإبداع والانفتاح على الثقافات الأخرى.

ولا يخفى ما تحمله هذه البداية المشرقة من رسائل تمتد في عمق الذاكرة العربية، وتؤشر على استمرار التواصل بين الحاضر والماضي ليبنى عليه المستقبل.

ومنذ ولادة فكرة عواصم الثقافة العربية قبل أربعة عشر عاماً، كان التوجه يحفر في عمق الوعي العربي لتنشيط المبادرات الخلاقة، وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري، وذلك عبر إبراز القيمة الحضارية للمدينة المستضيفة لفعاليات تظاهرة «عاصمة الثقافية»، وتنمية ما تقوم به من دور رئيسي في دعم الإبداع الفكري والثقافي، تعميقاً للحوار الثقافي والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب، وتعزيز قيم التفاهم والتآخي والتسامح، واحترام الخصوصية الثقافية.

ويبقى أن نؤكد أن أهم خاصية توافرت للدوحة، أنها مكون أصيل من مكونات ثقافة الجزيرة العربية، بتراثها العريق والعظيم الذي يستمد أصالته من الحضارة الإسلامية في تنوعها وتعددها، فكانت الدوحة خلاصة لشخصية المدينة العربية الإسلامية، في حفاظها على جذورها وانفتاحها على الآخر، وهذا ما نجده في تجربة الدوحة الحديثة التي تشرفت بأن تكون العاصمة العربية والخليجية لثقافة أمة.

مديرة تحرير مجلة «بنت الخليج»

noraalswidi@yahoo.com

Email