الحوار بين الديانات للتواصل بين الحضارات

الحوار بين الديانات للتواصل بين الحضارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أجمع المشاركون في المؤتمر الإسلامي حول الحوار الذي انعقد مؤخرا بمكة المكرمة في بيانهم الختامي «نداء مكة» على الحوار والتفاهم والتكامل بدلا من الصراع والحروب والنزاعات التي دمرت البشرية وما زالت تدمرها حتى اللحظة في العديد من دول العالم. «نداء مكة» أكد على «التفاهم بيننا وبين الآخر بأن نؤمن بالله خالقنا ونعبده ونتلمس هديه الذي أنزله سبحانه على أنبيائه ورسله».

بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإعلان الحرب على الإرهاب زادت الحملات المعادية للإسلام واغتنمت جهات عديدة الفرصة لتأكيد الصور النمطية ولتمرير الرسائل والصور والأفكار التي تشوه الإسلام وتفرغه من قيمه السامية ومن مبادئه الإنسانية الراقية. وفي ظل العولمة انتشرت ثقافة الأقوى والأعظم على حساب الذي لا يملك والذي يستهلك ويستقبل فقط وبذلك انتشر مصطلح صراع الحضارات على يد منظرين أمثال أرنولد توينبي وبرنارد لويس وصامويل هنتغتون وفرنسيس فوكوياما وغيرهم بالرغم من محاولات عديدة من مفكرين ينادون ويدعون لحوار الحضارات والأديان.

فهناك من يرى ويرّوج لفكرة أن الإسلام كان عبر التاريخ وما زال تهديدا قائما وخطرا دائما على الحضارات المغايرة له وأنه معاد للهويات والثقافات والديانات الأخرى. وفي ظل هذا التشويه والحرب النفسية والتلاعب والتضليل، شكلت وبلورت الصناعات الإعلامية والثقافية العالمية الرأي العام والوعي الجماعي العالمي وفق ما تمليه القوى الفاعلة في النظام العالمي والتي ترى في الإسلام عدو الإنسانية وعدو الحضارة وهو دين الإرهاب وإقصاء الآخر.

التحاور مع الديانات السماوية هو الرد على الافتراءات وعلى الإساءات العديدة الموجهة ضد الإسلام والمسلمين وتقديم الصورة الحقيقية للعرب وللمسلمين للعالم بلغة العصر وبتكنولوجية الألفية الثالثة. ماذا أعد العرب والمسلمون للآخر لمحاورته وإعطائه الصورة الحقيقية للإسلام ولتاريخ الحضارة الإسلامية ولما قدمه هذا الدين السمح للبشرية جمعاء من قيم وأخلاق ومبادئ وعلوم. لقد اهتزت صورة الإسلام والعرب في السنوات الأخيرة في الرأي العام الدولي بصورة خطرة جدا ساهمت في العديد من المرات في اتخاذ مواقف معادية وسلبية ضد الشعوب العربية والإسلامية.

في ظل غياب استراتيجية واضحة للإعلام الفضائي العربي في مواجهة التدفق الإعلامي الغربي والثقافة العالمية والثورة المعلوماتية والغزو الثقافي نلاحظ انجراف ثقافي خطير في الدول العربية والإسلامية.

وهذا ما يتطلب التنسيق بين المؤسسات الإسلامية المعنية بالحوار والمؤسسات الإعلامية المختلفة من أجل تقديم البديل ومن أجل الحوار من قبل علماء وفقهاء ورجال دين وباحثين وأكاديميين. فهذه الأمور كلها بحاجة إلى عمل وتخطيط وتدبير مسبق يعتمد على الدراسة والبحث العلمي وعلى ميزانيات معتبرة وإنتاج في مستوى المنافسة والجودة العالمية.

فأي عمل وأي قرار لا يعتمد على مدخلات صحيحة ومعلومات وافية يكون مآله الفشل وعدم القدرة على منافسة الآخر. فالإعلام الذي تنقصه الحرية لا يستطيع أن يتوفر على المصداقية ولا يستطيع أن يواجه التحديات المختلفة في عصر العولمة والصناعات الثقافية العالمية.

والحوار الناجح هو الذي يعتمد على إعلام قوي وفعال يقوم على المهنية والحرفية. لقد خسر العرب والمسلمون المعركة الإعلامية منذ عقود من الزمن ولم يبق أمامهم سوى التخطيط العلمي والاستراتيجي لخوض هذه المعركة التي تؤهلهم لعولمة الإسلام وعولمة ثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم وأن يجدوا موقعا لهم على الخريطة العالمية وإلا ستكون النتيجة تشويه دينهم والإساءة إلى نبيهم المصطفى خاتم الأنبياء والمرسلين.

يواجه العالم الإسلامي تحديات كبيرة جدا حيث أنه مطالب بحماية المسلمين من التدفق الإعلامي والثقافي الغربي ومن التشويه والنمطية وفبركة الواقع حسب أهواء ومصالح القوى الفاعلة في النظام العالمي،هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو مطالب بإبراز الهوية العربية الإسلامية والثقافة والحضارة والوجود العربي الإسلامي للمسلمين ولغير المسلمين من خلال الحوار والمؤتمرات والندوات وفرق البحث لإزالة سوء الفهم والتشويه والتضليل.

فهناك نقاط مشتركة بين الإسلام والديانات السماوية الأخرى من شأنها أن تساهم في غرس المحبة والتكامل والتدافع والأمن والاستقرار في أنحاء العالم. فهناك إذن تحد حضاري وتحد اجتماعي قيمي. فإلى أي مدى ستنجح المؤسسات الإسلامية في تحقيق مهمة الدفاع عن الهوية الإسلامية والتاريخ والحضارة العربية الإسلامية ومحاورة الآخر والديانات السماوية؟ وهل اجتمعت وتوفرت الشروط والمستلزمات لإعطاء البديل ولتقديم ما من شأنه أن يصحح الصور النمطية والتضليل والتشويه.

تجدر الإشارة أن الهدف من الإساءات والتضليل والتشويه هو تأليب الشعوب الأوروبية على الوجود الإسلامي المتنامي بداخلها وعلى استمرار العدوان على أرض المسلمين. الإساءة لا تواجه بالصمت ولا بالحرق والقتل والتخريب وبغيرها من السبل والطرق التي تخالف الشريعة والمنطق والعقل والقيم والمبادئ الإنسانية، وهذا ما يبحث عنه أعداء الإسلام والمسيئون إليه.

حملات الإساءة وتكرارها يجب أن تُواجه بالتوضيح وبإيصال رسالة الإسلام الحقيقية إلى الذين يجهلون الكثير عن هذا الدين العظيم وعن رسوله خاتم الأنبياء وبنشر ثقافة الحوار والتعريف والتعرف. والواقع أن المسؤول عن الجهل بالإسلام والرسول محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام هم المسلمون الذين أخفقوا وفشلوا في محاورة الآخر وإبصاره بحقيقة الإسلام وبعبقرية محمد.

هل يعي المسلمون أن الرأي العام الغربي ليس كله معاديا للإسلام وإنما هناك من يرفضون الإساءة للإسلام والتطاول على الرسول محمد خاتم الأنبياء، وهؤلاء هم العقلاء الذين يجب التحاور معهم والعمل معهم من أجل تطهير عقول الشعوب المغلوب على أمرها في الدول الغربية وتخليصها من التلوث الإعلامي والثقافي والفكري وسموم الدعاية والحرب النفسية التي تعاني منها.

كلية الاتصال ـ جامعة الشارقة

mokirat@sharjah.ac.ae

Email