مستقبل الحركات الاجتماعية في العالم العربي

مستقبل الحركات الاجتماعية في العالم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

المجتمعات العربية والضغط على الحكومات والأنظمة العربية الآن. فلم تعد المؤسسات الرسمية بقادرة على تغيير المجتمعات العربية وتطويرها وتجاوز حالة التخلف الجاثمة على الواقع العربي منذ عقود عديدة. وأصبح الأمل معقودا على الحركات الاجتماعية المختلفة المنتشرة في طول العالم العربي وعرضه.

ففي ظل غياب المؤسسات الرسمية عن القيام بالأدوار المطلوبة منها في عالمنا العربي تصدرت الساحة الحركات الاجتماعية وبشكل خاص في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. كما أصبحت تلك الحركات تمثل حركات ضغط متواصلة على حكوماتها وأنظمتها.

واللافت للنظر هنا أن تلك الحركات بدت ضعيفة في بداياتها، فلم تعرها الأنظمة العربية أي اهتمام، بل إنها رأت فيها شكلا من أشكال التجميل والديكور السياسي الذي يمكن أن تتباهى به في المحافل والمنظمات الدولية. وفيما بعد اكتشفت العديد من النظم والحكومات العربية مدى الخطر الذي تنطوي عليه تلك الحركات، ومدى التهديد الذي تشكله بالنسبة لوجودها واستمراريتها.

تعني الحركات الاجتماعية تلك التنظيمات الرسمية التي تعمل خارج الأطر السياسية المتعارف عليها والمرتبطة بالدولة أو بالأحزاب السياسية، وتتعلق تلك الحركات غالبا بالدفاع عن حقوق الإنسان والفئات الخاصة مثل المرأة والمهاجرين والعمال والأقليات. وتعتبر الحركات الاجتماعية البديل الأكثر انتشارا للتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق المدنية في كافة أشكالها.

ففي ظل انسداد أفق التعبير السياسي الشرعي يلجأ الكثير من الأفراد والجماعات لإنشاء التنظيمات الخاصة بهم للمطالبة بحقوقهم والتعريف المجتمعي بأوضاعهم. وتنبع أهمية تلك الحركات الاجتماعية من كونها ترتبط بأفراد ذوي شخصيات اعتبارية مؤثرة في المجتمع ومن حولهم.

من هنا فإن الالتفاف الجماهيري حول تلك الحركات يعتمد بداية على مجموعة محددة من الأفراد المؤثرين المؤمنين بعدد من الأفكار في مجال الحقوق المدنية والاجتماعية، والذين يستقطبون من خلال تلك الأهمية المجتمعية والفكرية والضميرية التي يتمتع بها أعداد أكبر من المشاركين والنشطاء الحقوقيين.

ويتعلق إنشاء الحركات الاجتماعية بدرجة الوعي السياسي والحقوقي التي يصل إليها الأفراد في المجتمعات البشرية، فوجود تلك الحركات رهن بالمستوى التعليمي والثقافي الذي وصلت إليه تلك المجتمعات. فنشأة الحركات الاجتماعية يمثل تعبيرا عن قدر ما من الحراك الاجتماعي الذي يشمل الأفراد والتنظيمات والجماعات البشرية.

فالحركات الاجتماعية لا تعني في التحليل النهائي القبول بالأمر الواقع لكنها تهدف بالأساس إلى تغيير واقع البنى الاجتماعية والعمل على تطويرها من خلال تحسين ظروف الأفراد المنتمين لتلك الحركات والمؤمنين بأفكارها وبأهدافها وبمبادئها.

وفي العقود الأخيرة، وفي ظل حالة الانسداد السياسي في العالم العربي، انتشرت هذه الحركات في مجالات عديدة أبرزها مجالات حقوق الإنسان والأقليات والمرأة والفئات الفقيرة، وبشكل خاص العمال. لقد شملت هذه الحركات العديد من الدول مثل مصر وتونس والمغرب وسوريا، بل إنها شملت أيضا الدول الخليجية الأحدث في النشأة والتعبير السياسي. وتشتمل معظم الحركات الاجتماعية في العالم العربي على العديد من السمات التي تختلف اختلافا نسبيا من دولة لأخرى لكنها تنطوي على العديد من الملامح والقواسم المشتركة.

تنبع الحركات الاجتماعية في العالم العربي من القيود الرسمية المفروضة على حرية الممارسة السياسية وتضييق الإمكانيات المختلفة لتأسيس أحزاب سياسية حقيقية غير ديكورية. فالأمر الذي لا شك فيه أن تلك القيود المختلفة التي مارستها الأنظمة السياسية الحاكمة في معظم الدول العربية قد أوصدت الباب أمام الأفراد والجماعات المختلفة من أجل حرية التعبير وضرورة التغيير. من هنا فإن حالة الاحتقان طويلة الأمد كان من الضروري أن تؤدي إلى أطر جديدة من أجل التعبير والتغيير، وهو الأمر الذي وجد تجلياته وتعبيراته المختلفة في إنشاء تلك الحركات الاجتماعية.

تبدأ هذه الحركات الاجتماعية غالبا بمطالب اجتماعية لكنها ترتبط في الوقت نفسه بمطالب سياسية. فمن الصعوبة بمكان الفصل بين ما هو اجتماعي وسياسي، وهو الأمر الذي جعل العديد من الحكومات في العالم العربي تطارد تلك الحركات وتعيق عملها.

فمن الواضح أن المطالب الاجتماعية، مثل المطالبة بتحسين الدخل ورعاية الفئات الخاصة والفقيرة، تؤدي إلى استقطاب المزيد من الأفراد الفاعلين الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى المزيد من التفعيل والتأثير السياسي. وفي بعض الأحيان لا يمكن تحديد ما هو اجتماعي وما هو سياسي بالنسبة لنشأة وعمل تلك الحركات الاجتماعية.

وفي هذا السياق فقد لعبت وسائل الاتصال الحديثة مثل القنوات الفضائية المختلفة والإنترنت دورا كبيرا في تفعيل عمل تلك الحركات الاجتماعية والتعريف بها جماهيريا. فالإنترنت، على وجه الخصوص، قد جعلت من عمل تلك الحركات وأهدافها وآلياتها شيئا معروفا بالنسبة للجميع. كما رصدت أيضا، وبشكل غير مسبوق من ناحية السرعة، أية انتهاكات تمارسها السلطات السياسية الرسمية ضد عمل هذه الحركات الاجتماعية.

ورغم أن عمل هذه الحركات الاجتماعية يبدأ بطيئا إلا أنه يساهم على المدى البعيد في التأثير الاجتماعي والسياسي في العالم العربي. فعلى سبيل المثال لم يأت إضراب أساتذة الجامعة في مصر من فراغ، بقدر ما جاء نتاجا لأربع سنوات من العمل المتواصل الذي اعتمد في بدايته على مجموعة صغيرة من الأساتذة الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة والاحترام.

كما أنه كان من الصعوبة البدء في إضراب أساتذة الجامعة المصريين اليوم بدون الجهد المثابر المرتبط بتلك الجماعة منذ عام 2004 تحت اسم «مجموعة 9 مارس». لقد باشرت تلك المجموعة العمل والاستقطاب ونشر التقارير والإصدارات المختلفة حول حالة التعليم الجامعي في مصر، وربطت في الوقت نفسه بين الجانب الاجتماعي المتمثل في تحسين أحوال أعضاء هيئة التدريس، وبين الجانب السياسي المتمثل في العمل على استقلال الجامعة بعيدا عن هيمنة السلطات الرسمية.

واليوم تضع هذه المجموعة بإضرابها الحكومة المصرية في مأزق كبير. فالإضراب سوف يوقف التدريس الجامعي ويصيبه بالشلل، وهو ما لا يستطيع أي نظام سياسي تحمله وإيجاد البديل عنه. من الأمور اللافتة للنظر أن العديد من النظم السياسية في العالم العربي مازالت تتعامل مع هذه الحركات الاجتماعية بوصفها تنتقص من هيبتها ومكانتها، وهو تصور للعمل السياسي والاجتماعي قد عفا عليه الزمن.

فالدول الحديثة تفتح المجال واسعا أمام حرية التعبير والمطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية من خلال قواعد اللعبة القائلة بعدم امتلاك فاعل وحيد للساحة السياسية. وبأن النظم السياسية مثلها مثل أي قوى اجتماعية أخرى تخطئ وتصيب. من الضروري على النظم السياسية أن تقبل باختلاف قواعد اللعبة الآن، وبأن امتلاكها الوحيد للتغيرات السياسية والاجتماعية قد انتهي في ظل تلك التحولات الكونية الهائلة التي لا تترك لأحد إمكانية انتهاك الآخرين وتقييد حرياتهم بسهولة واطمئنان.

من الواضح أن الحركات الاجتماعية سوف تزداد كما وكيفا في عالمنا العربي؛ فظهور حركة اجتماعية ما يحفز الحركات الأخرى على الإعلان عن نفسها وأهدافها ونواياها. فهل تغير الحكومات العربية أهدافها ورؤيتها لواقع الأمور أم أنها سوف تزداد استبداداً وصلفا وهيمنة!!

كاتب مصري

salehabdelazim@hotmail.com

Email