النووي الباكستاني والهندي وتوازن القوى ـ فلاديمير سادافوي

النووي الباكستاني والهندي وتوازن القوى

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم امتلاك الهند وباكستان للسلاح النووي بنوعيه الاستراتيجي والتكتيكي (أي الرؤوس النووية وحاملاتها من صواريخ وغيرها)، ورغم أن كلتا البلدين لم يوقعا على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحظر انتشار السلاح النووي، ورغم توتر الأوضاع الدائم في باكستان وعدم الاستقرار النسبي في الهند، إلا أن السلاح النووي لدى البلدين لم يشكل أزمة دولية ولا إقليمية، وحتى الآن لم يشكل أيضاً أية تهديدات فيما بينهما.

وهذا في حد ذاته شيء إيجابي يعكس وعياً سياسياً عالي الدرجة لدى البلدين اللذين لم نسمع منهما من قبل صيحات وتهديدات في هذا المجال، ويمكن القول أنهما معاً حققا الهدف الأساسي من امتلاكهما لهذا السلاح، وهو الردع الثنائي المتبادل بينهما، فقد أعلن كلا البلدين منذ البداية أن سلاحهما النووي ليس موجهاً لأحد سواهما، وبالتالي فالتفاهم بينهما كان سهلاً دائماً في هذا المجال ولم يتجاوز حدوده حتى في وقت الأزمات والصدامات العسكرية بينهما، حيث لم نسمع أحدهما يهدد الآخر باستخدام السلاح النووي.

رغم هذا نجد هناك من يحاول أن يصف القنبلة النووية الباكستانية بأنها «إسلامية»، والغريب أن هذا الوصف لا يأتي من أعداء الإسلام وخصومه، ولا يأتي من الغرب ولا حتى من إسرائيل التي اعتادت الهجوم والرفض لامتلاك دول عربية أو إسلامية للسلاح النووي، وصف القنبلة النووية الباكستانية بأنها إسلامية يأتي عادة من قبل المسلمين أنفسهم من دواعي الافتخار واستعراضات القوة، وهذا الأمر أحياناً لا تقبله السلطات الباكستانية نفسها، لأنه قد يجلب عليها بعض المشكلات إذا ما استغلت جهات غربية هذا الأمر لشن حملات هجومية إعلامية على النظام الباكستاني الذي يضطلع بمهام ثقيلة في مكافحة الإرهاب.

ونلاحظ أنه في كل مرة تجري باكستان فيها تجربة جديدة لصاروخ بوسعه حمل عبوة نووية يعم الذعر العالم، فهناك ناس يتساءلون كيف يمكن أن تقوم دولة إسلامية لديها سلاح نووي وفيها متطرفون بتجربة صاروخية لنقل هذا السلاح الخطير؟، هذا الرعب والفزع لم يكن له وجود سابقاً قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حيث كانت تجارب الصواريخ الباكستانية والهندية أيضاً تجري في هدوء ولا يشعر بها أحد.

في الحقيقة توجد في قدرات باكستان النووية أخطار معينة يمكن أن تشكل تهديدات للسلام والأمن العالمي. ولكن هذه «الأخطار» ليست أكثر جسامة مثلاً من أخطار القدرات النووية لدى الهند أو إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة وروسيا. ويتوقف كل شيء على الجهات أو الدول التي ترى في هذه القدرات النووية الباكستانية تهديدات من وجهة نظرها.

لم تخف إسلام أباد أبداً أن السلاح النووي الباكستاني مخصص «للهند فقط»، وبعبارة أدق لردع عدوانها. وإن الهند نفسها على علم بهذا منذ البداية ولم تعترض يوماً ما على ذلك ولم تنتقد النظام الباكستاني في هذا باعتبار أنها هي أيضاً تمارس نفس اللعبة معها، «المخططات»، هذا ناهيك عن أن الطرفين قاما اعتباراً من عام 2005 بتطوير قدراتهما الصاروخية بنجاح متجاوزين في غضون ذلك القضايا التي بوسعها توتير علاقاتهما.

أي أنه يمكن القول ان كلا البلدين أوراقهما مكشوفة لبعضهما البعض بدون أسرار، وهو نفس الأسلوب السائد بين القوتين النوويتين العظميين روسيا وأميركا اللتين يعرفان كل شيء عن ترساناتهما النووية بكافة تفاصيلها وليس لدى أحد منهما أسرار يخفيها عن الآخر في السلاح النووي بالتحديد.

وعلى سبيل المثال عادت باكستان والهند في بداية عام 2007 إلى مناقشة القضايا الخلافية في علاقاتهما. ووقعتا في فبراير من نفس السنة اتفاقية تفادى الحالات الاستثنائية بالنسبة للسلاح النووي. وترمي الاتفاقية بالمرتبة الأولى إلى إزالة خطر المواجهة النووية وإلى إنشاء نظام رقابة مضمون على السلاح النووي.

ومع ذلك فإن تجربة إسلام أباد الأخيرة للسلاح الصاروخي أثارت الرعب في العالم من جديد. ففي 25 يناير أطلقت باكستان الصاروخ البالستي «شاهين ـ 1» الذي بوسعه إصابة أهداف على بعد 700 كم. كما بوسع هذا الصاروخ الذي يعمل بالوقود الصلب والمحمول على عربات السكك الحديدية نقل عبوات نووية.

ويعتبر الصاروخ «شاهين ـ 1» انطلاقاً من كل الشواهد نموذجاً مطوراً للصاروخ العملياتي التكتيكي الصيني العامل بالوقود الصلب «م ـ 9». وهذه هي ثاني تجربة للصواريخ العملياتية التكتيكية خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث سبق في 11 ديسمبر عام 2007 أن أطلقت باكستان الصاروخ المجنح «بابور» (يعمل بالوقود السائل وأرضي المرابطة وبوسعه إصابة أهداف على بعد 700 كم).

والجدير بالذكر مع ذلك أن باكستان تلتزم بجدول التجارب المتفق عليه مع الهند ولا تنحرف عنه لا بصنف الصواريخ ولا بمداها.

أما الهند فقطعت بدورها شوطاً بعيداً جداً في مجال السلاح وليس بدون مساعدة الدول الكبرى مما يتيح لها توسيع منطقة مصالحها من الخليج العربي وحتى سلسلة جزر مالاكا. وترى باكستان في غضون ذلك وليس بدون مسوغات أن الولايات المتحدة مستعدة لدعم طموحات الهند في أن تكون دولة نووية عظمى مقابل استغلالها في ردع الصين وإيران.

وإن كانت الهند مترددة بشكل واضح في قبول الدعم الأميركي نظراً لعلاقاتها العسكرية الواسعة مع روسيا، ولكن واشنطن مصرة على التقارب مع الهند، وآخر عروضها من الرئيس بوش حاملة الطائرات الأميركية التي يريد إهداءها للهند مقابل صفقة طائرات ضخمة، ومازالت الهند ممتنعة عن قبول العروض الأميركية.

فماذا يتعين على باكستان عمله في هذا الوضع؟

أعدت حكومة باكستان في بداية ديسمبر من العام الماضي تصوراتها النظرية المستقبلية في مجال الدفاع. ويعتمد مذهب باكستان العسكري وفقاً للوثائق المعلنة على «قدرات ردع مضمونة بالحد الأدنى» ويرمي «أولاً ـ لحماية وحدة أراضيها، وثانياً ـ لصيانة السلام في المنطقة (جنوب آسيا)».

ومن المفهوم أن باكستان تستثمر إمكاناتها بأقصى درجة. ولكن إذا كانت قدراتها النووية في السابق تشكل عامل ردع مضمون فإنها تقلصت جزئياً اليوم، وليس بدون مشاركة الولايات المتحدة التي تبدو تطلعاتها النووية مع الهند أكثر من جلية. وهذا بالرغم من أن باكستان لا تزال شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة وأوروبا الغربية في تحالف مكافحة الإرهاب في المنطقة.

وعلى ما يبدو فإن باكستان ستبحث في هذا الوضع عن دعم لدى بلدان أخرى تمتلك سلاحاً حديثاً غير الصين والولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، روسيا التي ما زالت مترددة في التعاون مع إسلام أباد.

كاتب ومحلل سياسي أوكراني

Email